اقتصاد اليمن خارج الحسابات المنطقية

■ ما حدث مؤخرا وخصوصا خلال اليومين الماضيين، أمر لا يتقبله عقل وخارج حسابات المنطق والعلم.

سعر الصرف في جميع دول العالم يرتبط بأمور مهمة تتبع نظريات اقتصادية..

لا يوجد تفسير علمي لارتفاع سعر صرف الريال اليمني أمام العملات الأجنبية.. فبعد انهيار متسارع إلى ارتفاع متسارع في ظل ركود اقتصادي.

 تتعزز قيمة العملة المحلية في أي بلد بعدة أسباب منها التوازن النقدي بين العرض والطلب على العملة في السوق، مع ارتباط هذا بالسياسة النقدية التي لم يستخدم المركزي أيا من أدواتها.. ومن خلال زيادة تدفقات النقد الأجنبي وهو أمر مستبعد فالصادرات وتحويلات المغتربين لم يتغير أي شيء فيها.. إضافة لقيام الحكومة بضبط العجز في الموازنة وتحسين الإيرادات، وغيرها من الأسباب..والأمر الملاحظ لتعزيز قيمة العملة المحلية بشكل طفيف هو انخفاض الطلب على العملة الأجنبية نتيجة إحجام بعض التجار عن الاستيراد جراء التخبط الذي حصل في السوق وترك الأمر في البداية وحتى الفترة الماضية للمواطن ليقرر أسعار السلع والخدمات بنفسه. أو تسعير الجهات الرقابية بأسعار لا تتناسب مع كلفتها بالنسبة للتاجر. 

 

لازالت خزينة الدولة فارغة والدليل عدم قدرتها على تعزيز رواتب موظفي الدولة لشهر يوليو، وإنما قامت بعض البنوك بتقديم صرف المرتبات مثل كانت تفعله في الأشهر الماضية. مع احتمال وصول التعزيز لرواتب شهر يوليو وطلب تقديم رواتب اغسطس للموظفين.. مع العلم أن التعزيز يتم على شكل قيد محاسبي في حسابات البنوك لدى المركزي دون قدرته على صرفها نقدا وإن تم صرفها بشكل جزئي وبفئات نقدية صغيرة.

كما أن الحكومة لحد اللحظة لم تتسلم أي وديعة أو منحة أو دعم من أي جهة خارجية ومازالت عملية تصدير النفط والغاز متوقفة والذي تعول عليه خزينة الدولة بشكل اكبر في رفدها بالعملة الأجنبية. البنك المركزي اتخذ قرار عدم التمويل بالعجز من خلال ما يملكه من سيولة نقدية من العملة المحلية التي تمت طباعتها سابقا وهو أمر ممتاز، ويحسب لإدارة البنك المركزي. والاعتماد على العرض النقدي المطروح في السوق فقط.

 

سعر الصرف وصل أمس الأحد 31 أغسطس إلى 270-330 للريال السعودي وهو سعر الصرف الذي حدد في بيان نقابة جمعية الصرافين اليوم بعد وصوله لمستوى أقل يوم أمس.. والتي كالعادة استغلت ما حدث وحولته منجز لها على الرغم من أنها لا دخل لها به.. وذلك بعد استقرار نسبي عند سعر صرف 425-428 خلال الفترة الماضية. فبعد تزاحم المواطنين يوم أمس لصرف ما بحوزتهم من عملة أجنبية تلافيا لخسائر اكثر عاد الريال اليمني مساء اليوم للانخفاض مرة أخرى حيث بلغ سعر الصرف الان 330-380 

الارتفاع المتسارع غير المبرر له سلببات أكثر من الإيجابيات ابسطها أن أسعار السلع والخدمات لم يحدث انخفاض في قيمتها، يتلائم مع سعر الصرف السابق، ومازال السوق يعاني من الصدمة ولم يستوعبها بعد. إضافة لتخبط السوق وعدم إكمال الجهات الرقابية المختصة عملها بشكل تام خصوصا في بعض القطاعات الهامة.

رواتب الموظفين لا تفي بتوفير أبسط مقومات الحياة، ولكن التكافل الإجتماعي، إضافة للمساعدات التي يقدمها المغتربين في الخارج ولو على أقل تقدير في المواسم، عوضت بعض عوزهم، ومن خلال الإرتفاع الذي حدث من المتوقع أن تنخفض حجم التحويلات من الخارج. 

 

المواطن لم يستفد بشكل كامل من الارتفاع السابق إضافة للقطاع الخاص الذي لم يستوعب ويمتص الصدمة السابقة وفوجئ الكل بالارتفاع الذي حدث مؤخرا.

هذا الأمر سيرهق الجميع، ولن يؤدي إلى خروج الاقتصاد من حالة الركود التي يعاني منها للأسف بل قد يفاقم الوضع سوءاً.

البنك المركزي كعادته لم يكلف نفسه عناء إصدار بيان مطمئن للجميع وينتظر ما سيحدث. بعض الجهات اعتبرت ماحدث منجز للبنك المركزي، ولكن للأسف لا ناقة ولا جمل للبنك المركزي فيما حدث.

 

مازالت المناطق المحررة تعتمد اعتمادا كليا على مناطق سيطرة الحوثي في تزويدها باحتياجاتها من الخضار والفواكة والقات بشكل يومي مما يخدم الحوثي ويستنزف العملة الأجنبية من مناطق الشرعية.

وحتى ما حدث مؤخرا في مناطق سيطرة الحوثي من اغتيال لقيادات من الصف الأول لا تأثير له على ماحدث في مناطق الشرعية بل الطبيعي أن يؤدي لانخفاض قيمة الريال.

نتمنى عودة الاستقرار للسوق وضبط الأسعار بما يتواكب مع قيمة العملة ولا ننسى أن ننوه إلى أنه مهما حدث من تعافي لقيمة الريال اليمني إلا أن ثمرة هذا التعافي تحتاج إلى وقت لجنيها والاستفادة منها بأقصى درجة.

 

من المؤسف انسياق البعض لتفسيرات لا تمت للواقع بصلة، وعلى الجميع عدم التشفي في القطاع الخاص كونه الرافد الأساسي لاحتياجات السوق من السلع والخدمات.

في إنتظار الإعلان عن خطة الإصلاحات الاقتصادية حتى يتم مراقبة تنفيذها والتي ستؤدي بدورها إلى خلق حالة من الاطمئنان في السوق.

 

مع التأكيد على أن ماحدث لا علاقة له بالنظريات الاقتصادية بل يحتاج لدراسة أكثر تعمقا للخروج بنظرية جديدة، سيندهش العالم منها كونها حدثت في اليمن فقط.

*أستاذ العلوم المالية والمصرفية المشارك بجامعة حضرموت