بعد مسيرة حافلة بالعطاء: جمعية صيادي خليج صيرة بعدن تنعى في وفاة مؤسسها الشيخ علي سلام عبدالله
▪︎ نعت جمعية صيادي خليج صيرة السمكية، مؤسسها ورئيسها الشيخ علي سلام عبدالله، الذي وافته المنية صباح...
● بين صدارة المأساة وعجز الخدمات: اليمن يعلن فقره بأرقام قياسية وتدهور يومي
■ في مشهد صادم يكرس ترسيخ المأساة الإنسانية ويعكس تداعيات سنوات كارثية من النزاعات السياسية والعسكرية والأزمات الأقتصادية الممتدة بين سلطات الأمر الواقع في شمال وجنوب اليمن، كشفت توقعات لعام 2025 أن الجمهورية اليمنية تصدرت القائمة العربية لمعدلات الفقر، لتسبق بفارق ضئيل دولة السودان التي تعاني بدورها من أوضاع إنسانية صعبة.
ووفقاً لبيانات حديثة من "World Population Review"، يُتوقع أن يصل معدل الفقر في اليمن إلى 46.7% من إجمالي السكان، محتلاً المرتبة الأولى عربياً، فيما يحل السودان ثانياً بنسبة 46.5%. تأتي هذه الأرقام في وقت لا تزال فيه العاصمة المؤقتة عدن، مثل غيرها من المدن اليمنية، ترزح تحت وطأة أزمات مركبة تزيد من حدة المعاناة الإنسانية، تجعل من نسبة الفقر مجرد مؤشر واحد في بحر من المؤشرات المنذرة بالخطر.
ولم تأتِ الصدارة اليمنية في معدلات الفقر من فراغ، بل هي محصلة تراكمية لصراعات أهلية سياسية وعسكرية طيلة السنوات الماضية، دمرت البنى التحتية وشلت الاقتصاد وأفقرت ملايين الأسر. وجاء ترتيب الدول العربية الأكثر فقراً على النحو التالي:
1. اليمن: 46.7%
2. السودان: 46.5%
3. سوريا: 35.2%
4. مصر: 29.7%
5. لبنان: 27.4%
6. العراق: 18.9% (حاز على المرتبة السادسة رغم عوائده النفطية المرتفعة)
7. تونس: 16.6%
8. الأردن: 15.7%
هذه النسب المئوية ليست مجرد إحصاءات باردة، بل هي تعني أن نحو نصف السكان في اليمن والسودان يعيشون تحت خط الفقر، في تراجعة صارخة للتنمية البشرية على المستوى العربي.
من جانب آخر يثير وجود العراق في المرتبة السادسة تساؤلات كبيرة، خاصة مع ارتفاع إيراداتها النفطية، مما يؤكد أن عوائد النفط وحدها لا تكفي لتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية.
وبعيداً عن جفاف الأرقام، تعيش مدينة عدن، التي يفترض أنها حاضنة للحكومة، أزمة خدماتية خانقة تكرس حدة الفقر. فاستمرار التدهور في قطاع الكهرباء والطاقة الحكومية أصبح سمة يومية. انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، بل لأيام، لم يعد مجرد انقطاع للطاقة، بل تحول إلى انقطاع للحياة الطبيعية: تلفت الأجهزة الكهربائية، تعطل أنظمة تبريد الأدوية في الصيدليات، توقف المضخات التي تصل المياه إلى المنازل، وانقطاع شريان الإنترنت الذي يربط اليمن بالعالم.
هذا "الظلام" العملي والمجازي يضرب شرايين الاقتصاد الصغير، يدمر فرص العمل من المنزل، ويجبر الأسر على إنفاق ما تبقى من مدخراتها الهزيلة على مشتقات الوقود الباهظة لتشغيل المولدات الخاصة وشراء منظومات طاقة شمسية بتكلفة عالية، والتي أصبحت رفاهية لا يقوى عليها إلا القلة.
وبهذا السياق مواطنون في عدن تحدثوا لمراسل صحيفة وموقع《التنمية برس》 عن معاناتهم اليومية حيث أضافوا بالقول: "انقطع التيار الكهربائي الحكومي لمدة 20 ساعة في اليوم ومنذ يومين ناهيك عن توقف المنظومة الكهربائية في المحافظات المجاورة لعدن وهي لحج وأبين منذ أيام، ولم نستطع حتى حفظ الطعام الأساسي"، ويقول أبو محمد سعيد، رب أسرة من الشيخ عثمان. بينما تشكو أم ياسر سميح: "أطفالي لا يستطيعون المذاكرة في الظلام، ونفقات المولدات وشراء منظومة الطاقة المتجددة أصبحت عبئاً لا نستطيع تحمله كأسرة بسيطة في ظل قلة تدني الدخل الشهري بريال اليمني وتأخر صرف المرتبات الحكومية لموظفي الدولة مدنيين وعسكريين منذ أربعة شهر ماضية نتيجة عجز وفشل حكومي كبير وضعف ايراداتها المالية والتي أصبحت لا تفي بالغرض في دفع رواتب موظفيها بشكل شهري منتظم"
فيما أشار ناشطون اجتماعيون تحدثوا في هذا الصدد حول تداعيات مؤسفة بتحويل رواتب موظفي الدولة تحت البند الرابع الهبات والمساعدات والمنح الخارجية والتي أصبحت تتكفل بها المملكة العربية السعودية للوفاء بالالتزامات المالية العامة لحكومة اليمن المعترف بها دولياً والتي تعمل وفق مجلس القيادة الرئاسي.
لا يمكن فصل أزمة الفقر عن استمرار التدهور المعيشي والاقتصادي الشامل. الارتفاع الجنوني في أسعار السلع الأساسية، مع انهيار قيمة العملة المحلية، جعل القدرة على تأمين لقمة العيش الكريم هماً يومياً لأغلب اليمنيين.
ولعل أخطر تداعيات هذا التدهور هو استهدافه لقطاع التعليم العام، البنية التحتية للأجيال القادمة، وبالاضافة الى تدهور الأوضاع في المدارس من نقص في التجهيزات وتهالك للمباني، وانخفاض مستويات الدخل الشهري للمعلمين، دفع بكثير من الأسر إلى حرمان أبنائها من التعليم لعدم القدرة على تحمل تكاليفه غير المباشرة، أو لإشراكهم في سوق العمل لمساعدة أسرهم. هذا يخلق جيلاً جديداً من الأمية والفقر، مُعداً سلفاً لتوريث الفقر لأبنائه، في حلقة مفرغة يصعب كسرها.
وبهذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل هي قصص إنسان يمني وعربي يعاني ويتألم ويحلم بالنجاة. إنها مؤشر على فشل سياسي تراكمي، واستمرار لنزاعات أنهكت الوطن والمواطن.
وفي تناول ذلك فإن تصدر اليمن لقائمة الفقر العربي هو جرس إنذار أخير. فهو نتاج طبيعي لاستمرار النزاعات وتجميد الحلول السياسية. الأرقام ليست سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد، فتحتها أزمة الكهرباء في عدن، وتعمقها المعاناة المعيشية، ويُرسخها تدهور التعليم. وهذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل هي قصص إنسان يمني يعاني ويتألم ويحلم بالنجاة. إنها مؤشر على فشل سياسي تراكمي، واستمرار لنزاعات أنهكت الوطن والمواطن.
والسؤال الذي يفرض نفسه: إلى متى ستستمر هذه الصدارة المأساوية لليمن بشكل خاص وفي قوائم لا يرغب أحد في المنافسة عليها؟ وإلى متى سيستمر هذا المشهد المأساوي؟ وإلى أي مدى يجب أن تصل المعاناة قبل أن تتحرك الضمائر للمسؤولين من رئيس الدولة رشاد محمد العليمي ونوابه السبعة الآخرين ورئيس الحكومة الجديد سالم بن بريك لإيجاد حلول جذرية تنقذ ما تبقى من إنسان هذا البلد العربي الأصيل؟