هل تحب المال؟

التنمية برس: خاص

 سعيد بن على العضاضي: قد تظن الإجابة عن سؤال كهذا من المسلمات كمن يسألك من أين تشرق الشمس؟ وقد تقول إن الكل يدرك أهمية المال، والكل يحب المال، والكل يسعى في هذه الحياة من أجل المال. ولكن عندما تتحاور مع البعض ينكر على نفسه وعلى الناس أهمية وحب المال، ويرى أنه من العيب أن تظهر محبة المال، بل من السخف أن تطالب بحقوقك المالية؛ ظنا أن المال ليس بتلك الأهمية البالغة، ويمكن العيش من دونه فيكفي منه القليل. حول هذا يدور جوهر هذا المقال.
أما أنا فأقول لهؤلاء ومن هم على شاكلتهم إن المال نعمة من الله المعطي الوهاب ومن رزق المال هان عليه الكثير، واستمتع بالكثير، وكسب الاحترام، وخطف العقول والألباب. المال يبني الأفراد، ويشيد الحضارات، ويرسخ الثقافات ويحمي، بمشيئة الله، من البلايا والمصائب والمدلهمات.
لا يمكن أن تكون حياتك متوازنة آمنة مستقرة دون وفرة المال. بالمال نستطيع تغذية جميع جوانب حياتنا، من الجانب الصحي والجسدي، والجانب الفكري والعقلي، حتى الجانب العاطفي والروحي. فمن أجل الحصول على صحة جيدة يجب علينا تناول الأطعمة المفيدة والمتوازنة، إضافة إلى ممارسة الرياضة، وذلك بالذهاب إلى المراكز والنوادي الرياضية، وهذه الأشياء لا يمكن جلبها وتحقيقها إلا بوفرة المال.
إذا كان غذاء الجسم هو الطعام وغذاء الجسد هو الرياضة، فإن غذاء العقل هو المعلومة، ولسد حاجة العقل من المعرفة يجب علينا حضور الدورات والمحاضرات وشراء الكتب المتنوعة وتوفير الوقت لقراءتها ودراستها، ولا يمكن أن يتحقق هذا إلا بوجود المال الكافي لذلك، بحيث يعمل المال من أجلك وأنت تستثمر في ذاتك.
كما أن طاقتنا الروحانية التي نستمدها من الإيمان بالله ـــ سبحانه وتعالى ـــ والتقرب إليه سبحانه بشتى الأعمال من صلاة وزكاة وصوم ونوافل، إضافة إلى البذل والعطاء والصدقات، وكثير من هذه الأعمال لا يمكن بلوغها إلا بوفرة المال. فكيف تؤدي فريضة الحج وأنت فقير؟ وكيف تعطي وأنت معدم؟ وكيف تسابق الناس في الأجر والمثوبة وأنت محتاج؟ وقد فاز أهل الدثور والأموال بالأجور والخير الكثير على الفقراء، رغم أنهم جميعهم يصلون ويقومون الليل ويصومون النهار.
حتى الحب لا يعيش لفترة طويلة مع الفقر فما يلبث أن يموت. لا يمكن أن ينمو الحب وتتحقق السعادة ونشعر بالعاطفة دون الإنفاق على من نحب من زوجة، وولد، وبنت حتى الأبوين نجد صعوبة في برهما من دون البذل والعطاء، وقد نفقد محبة وولاء هؤلاء إذا قل المال في أيدينا.
والمال ليس مهما للأفراد فحسب بل للشعوب والأمم والحضارات، فالأمم العظيمة البائدة منها والقائمة لم تصل إلى رفاهيتها إلا بالمال والثراء الذي فتح لها الأمصار ولين لها القلوب وكسب لها ولاء الشعوب. فها هي الإمبراطورية الرومانية التي تعرف بالإمبراطورية البيزنطية بلغت من الثراء والترف أن الناس ليسوا بحاجة إلى العمل فاتجهوا إلى الجدل والرفاهية والرياضة. فتجد الرجل العادي يجادل في كثير من الأمور ومنها الأمور الدينية ولهذا أطلق على ذلك بالجدل البيزنطي، ويفعلون ذلك لأنهم ليسوا في حاجة إلى العمل وبذل الجهد؛ فالمال أغناهم عن ذلك فاستبدلوه بالنقاش والرفاهية والرياضة، وقد صممت ميادين للرياضة تتسع لـ 80 ألف شخص يتفرجون على مصارعات بين الرجال والسباع. ذكر ذلك الصلابي في كتابه الثمين السيرة النبوية.
وها هي بابل التي خلد التاريخ اسمها بسبب المال والثراء والذهب والكنوز. ولو لم تكن بابل بهذا الثراء؛ فهل كان التاريخ سيخلد اسمها وتظل تروي للأجيال حضارتها؟ وكيف فطنت إلى مورد الحياة وشريان التنمية وازدهار الحضارة ألا وهو المال؟ يصنف المؤرخون السومريون (المواطنون الأصليون للإمبرطوية البابلية) بأنهم الرأسماليون الأوائل في التاريخ فقد كانوا رجال أعمال بارعين، وهم المبتكرون الأصليون للمال كوسيلة للمقايضة والكمبيالات وسندات الملكية المكتوبة. وبفضل المال تمكنت الملكة سميراميس من بناء أسوار بابل العجيبة التي تحيط بالمدينة التي صنفت لاحقا بأنها والهرم الأكبر في مصر من عجائب الدنيا كما ذكر ذلك "كلاسون" في كتابه "أغنى رجل في بابل".
ولو عدنا إلى تاريخ صدر الإسلام فنلاحظ كيف رفع الله المسلمين بعد فتح خيبر عندما جرى المال في أيديهم، وكيف تحولت الدولة الناشئة في المدينة من الضعف والهوان إلى القوة والعظمة بعد فتح خيبر وحصول المسلمين على الغنائم فقويت شوكتها وظهرت شكيمتها.
إذا للمال دور جوهري في حياتنا ولهذا يحتم علينا كأفراد، ودول، ومنظمات أن نأخذ منه النصيب الأكبر.. ولكن كيف؟ هناك طريقتان للوصول إلى المال إحداهما ملتوية ومشبوهة وقاصرة؛ إما بالسرقة وإما بالرشوة المباشرة، وإما على شكل هدايا، وإما السطو على المال العام أو أموال اليتامى، وهذه الطريقة مرفوضة من جميع الثقافات والحضارات والديانات، ورغم هذا لها رجالها وروادها إلا أننا سنخرجها من نقاشنا. أما الطريقة الثانية فمؤصلة وعلمية لها قوانينها كالتعليم المالي، وتنمية قدرات ومهارات كسب المال وتحسين سبل إنفاقه، ومنها كذلك مصاحبة أهل المال والثراء من أجل كسب خبراتهم وليس الظفر ببعض أموالهم.
البعض عندما يعجز عن الوصول للثراء أو الحصول على الأموال يتهم من وصلوا إليه وتمكنوا من تحقيق الثروات، يتهمهم بالعمل المشبوه، وأن المال سال في أيديهم بسبب نهجهم طرقا غير مشروعة وأساليب مريبة، وهذا كلام مردود؛ فمن يلجأ إلى الطرق الملتوية فقد يحصل على المال، ولكنه ما يلبث أن يفلت من بين يديه ومن خلفه إذا لم يعرف كيف يحافظ عليه وينميه. أي معتوه يمكنه جمع المال، ولكن أقل القليل من يمتلك أساليب المحافظة عليه وتنميته وجعله يعمل لمصلحته فهذا يتطلب جهدا، ووعيا، وخبرة، وتعليما، وفشلا، ونجاحا.