الحل .. استخدام المبيدات المالية ضد الوباء لإنقاذ اقتصاد العالم

التنمية برس: متابعات

عندما تحدث أربعة من صناع السياسة الاقتصادية الأكثر نفوذا في العالم في مؤتمر سان دييجو في الخامس من كانون الثاني (يناير) من هذا العام، كان هناك فيروس جديد خبيث ينتشر على بعد سبعة آلاف ميل، ليصيب تجار السوق في ووهان في وسط الصين.
وفي حين أنهم لم يدركوا إلى حد كبير حجم ما كان مقبلا من هول البلاء، إلا أنهم كانوا قلقين منذ ذلك الحين.
ماريو دراجي ولورنس سمرز وبن برنانكي وجانيت يلين وآدم بوسن لعبوا أدوارا رائدة في إنقاذ الاقتصاد العالمي، بعد الأزمة المالية للعامين 2008 - 2009.
بعد أكثر من عشرة أعوام، ما عادوا واثقين من قدرة خلفائهم على فعل الشيء نفسه.
كان مجلس الاحتياطي الفيدرالي، الذي كانت يلين ترأسه سابقا، قد اضطر في الأصل إلى خفض سعر الفائدة المستهدف إلى ما يراوح بين 1.5 و1.75 في المائة، خلال عام 2019 بسبب المخاوف بشأن النمو العالمي.
البنك المركزي الأوروبي برئاسة دراجي وبنك اليابان لا تزال لديهما أسعار فائدة سلبية، على الرغم من عقد من التحفيز النقدي القوي.
إذا كان هناك أي نوع من الصدمة سيضرب الاقتصاد، فليس هناك مجال كبير للاستجابة لتلك التحديات، من قبل أدوات السياسة النقدية.
"نحن الأربعة جميعا قلنا، سياسة المالية العامة، ولم تكن لدينا أدنى فكرة أن فيروس كورونا كان في الطريق"، كما يقول بوسن، وهو صانع سياسة سابق في بنك إنجلترا، الذي يرأس الآن معهد بيترسون في واشنطن، واصفا اللجنة في الاجتماع السنوي للجمعية الاقتصادية الأمريكية.
ثم جاء الفيروس
بعد أسابيع فقط من ذلك اللقاء رفيع المستوى، وصلت تلك الصدمة. أولا، اجتاح فيروس كورونا مدينة ووهان، وربما أدى إلى أكبر حجر صحي في التاريخ وإغلاق اقتصاد الصين تقريبا. ثم بدأ عدد الحالات يزيد في جميع أنحاء العالم، ببطء، لكن بشكل لا يرحم، ما دفع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى التحذير هذا الأسبوع من حدوث انكماش عالمي.
يوم الثلاثاء الماضي، بدأ مجلس الاحتياطي الفيدرالي يستخدم قوته، حيث خفض أسعار الفائدة 50 نقطة أساس، بعد جهود حازمة تلت قدرا لا يستهان به من التعاون الدولي.
وفي حين أن مجموعة الدول السبع الغنية وعدت "باستخدام جميع أدوات السياسة المناسبة"، وحقيقة أن بنك كندا المركزي قد تبع خطى نظيره الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بسرعة، إلا أن موقفي كل من البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان كانا الأبرز.
بالتالي، فضلا عن عواقبه على الصحة العامة، قد يمثل فيروس كورونا نقطة تحول للسياسة الاقتصادية.
بعد نحو نصف قرن عندما كان محافظو البنوك المركزية الكبرى في العالم هم الأبطال، وكانت السياسة النقدية هي الأداة الرئيسة لإدارة الطلب، إلا أن الاتجاه العام الآن ضمنهم، هو الدعوة إلى تحفيز الاقتصادات الرئيسة، عبر اللجوء إلى استخدام السياسة المالية العامة بدلا من الأدوات النقدية التقليدية، في دعوة صريحة إلى تدخل الحكومات، أكثر فأكثر بتوظيف موارد وفوائض المالية العامة، لمجابهة استشراء الوباء والتبعات الوخيمة له.
في جلسة تثبيته هذا الأسبوع، قال محافظ بنك إنجلترا الجديد أندرو بيلي إن بنك إنجلترا لا تزال لديه بعض الأدوات النقدية التي عليه استخدامها.
بيد أنه أضاف أنه إذا ما طلب منه التصرف بمفرده دون دعم من المالية العامة، فإن ذاك "من شأنه إجهاد حدود" السياسة النقدية، وهو "ما يثير الشكوك بشأن فعالية المؤسسة التي تنشرها".
وحث الحكومة على استخدام السياسة المالية العامة، في مثل هذه الظروف.
الخفض الطارئ جرس إنذار
يقول بوسن "ما إذا كان تخفيض الاحتياطي الفيدرالي الطارئ الأخير – وهو الأول من نوعه عقب الأزمة - سينجح أم لا يظل مجرد تساؤل عريض... لا يوجد شك في أن هذا هو الوضع الذي من المحتمل أن تكون فيه السياسة النقدية غير فعالة بشكل خاص".
الوباء يولد صدمة اقتصادية غير عادية لأنه يضرب العرض أولا، وليس الطلب. المصنع المغلق والقوة العاملة وهما في حجر صحي لا يمكنهما صناعة السيارات أو الهواتف الخلوية، بغض النظر عن عدد الأشخاص الذين يريدون شراءها.
مع ذلك، إذا أعيد فتح المصانع، فإن العرض يفترض أن ينتعش مرة أخرى.
بالتالي، يرجو كثير من خبراء الاقتصاد حدوث انتعاش سريع – إذا ما أمكن معالجة الفيروس، بالمبيدات.
إحدى السياسات للتعامل مع صدمة عرض قصيرة الأجل تتمثل في تحمل القروض، وبالتالي لا يتم دفع الشركات التي تعاني إيقافا مفاجئا في المبيعات إلى إخفاقات معطلة، لأنها تفوت مدفوعات الديون.
هيئة الخدمات المصرفية في الصين دعت المصارف إلى عدم تصنيف القروض المتأخرة، كديون سيئة للشركات التي تكافح خلال الأزمة.
إلا أن الخطر يكمن في تحول صدمة العرض إلى صدمة طلب، في الوقت الذي يتوقف فيه المستهلكون عن السفر أو التسوق، وتضطر الشركات إلى تسريح العاملين، ما يوجد ديناميكيات حالة ركود.
العوائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشرة أعوام انخفضت لفترة وجيزة إلى أدنى مستوى قياسي بلغ أقل من 0.7 في المائة يوم الجمعة الماضي، ما يدل على مخاوف السوق من أن فيروس كورونا ليس مجرد مشكلة عرض فحسب، بل هو كذلك ضربة دائمة للطلب.
إنفاق ولو 10 % من الناتج الإجمالي
قال جاي باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي الحالي، في مؤتمر صحافي بعد خطوته بشأن سعر الفائدة هذا الأسبوع: "تخفيض أسعار الفائدة لن يصلح سلسلة توريد محطمة. نحن نفهم ذلك. لا أعتقد أن لدينا كل الإجابات، لكننا نعتقد أن إجراءنا سيوفر دفعة قوية للاقتصاد".
مجلس الاحتياطي الفيدرالي على الأقل لديه مساحة لخفض أسعار الفائدة. كما يمكنه أيضا إعادة تشغيل برنامج التسهيل الكمي - شراء الأصول الذي يهدف إلى خفض أسعار الفائدة طويلة الأجل - إذا تفاقم الوضع، أما في كل من أوروبا واليابان، فقد تحول النقاش في الأصل إلى إجراءات حكومية.
يقول داناي كيرياكوبولو، كبير الاقتصاديين في مؤسسة أومفيف الفكرية التابعة للبنك المركزي الأوروبي، "عندما يكون لديك خطر الركود - كما في ألمانيا، حيث كان هناك عدة أرباع من النمو الضعيف - يمكنك البدء برؤية معارضة سياسية أقل للتحفيز من المالية العامة".
يقول أوليفييه بلانشار، كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، "الأمر كله يتعلق بالسياسة المالية العامة الآن. لا ينبغي أن نتردد في إنفاق حتى من 5 - 10 في المائة أكثر من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا لا ينبغي أن يوجد أي مخاوف بشأن استدامة الديون، بشرط إنفاقها بشكل معقول".
ويقول إن تخفيضات أسعار الفائدة سيكون لها أكثر من مجرد قيمة "رمزية"، حيث من غير المرجح أنها ستقنع الشركات على استثمار مزيد أو الأسر على التوفير الأقل، بالنظر إلى القلق واسع النطاق بشأن الفيروس.
مع السياسة المالية العامة، يمكن للحكومات أن تستهدف الإنفاق حيثما لزم، على سبيل المثال من خلال تقديم إعانات أجور إلى الوالدين الذين لا يستطيعون العمل بسبب إغلاق المدارس.
على الرغم من أعوام من التحذيرات من أن السياسة المالية العامة ستكون ضرورية في فترة الركود التالية، إلا أن قلة من الدول هي التي مستعدة وقادرة على التصرف.
استجابة منطقة اليورو
يقول جونترام وولف، مدير مؤسسة بروجل الفكرية في بروكسل، إن استجابة منطقة اليورو حتى الآن كان "ضعيفة" مقارنة بتحفيز المالية العامة بنحو 200 مليار يورو بعد الأزمة المالية لعام 2008. ويضيف، "أعتقد أنها جاءت بعد فوات الأوان".
ألمانيا عقبة رئيسة أمام أي تحفيز كبير من المالية العامة في أوروبا. على الرغم من أن لديها أدنى نسبة ديون إلى الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة، إلا أن برلين استمرت في تحقيق فوائض ميزانية كبيرة، حتى بعد أن تجنب اقتصادها الذي يعتمد على التصدير - بشق الأنفس - حالة ركود العام الماضي.
جادل المسؤولون الفرنسيون أن بيان مجموعة اليورو هذا الأسبوع، الذي قال إن الاتحاد الأوروبي مستعد لتخفيف قواعده المالية العامة مؤقتا استجابة للفيروس، كان يمكن أن يكون أضعف من ذلك بكثير، لو لم يتم دفعهم لإزالة اللغة الأكثر حذرا.
على خلفية المشاحنات حول ميزانية الاتحاد الأوروبي البالغة تريليون يورو، يعتقد كثير من المراقبين أنه ليس هناك احتمال يذكر لقيام ألمانيا بتخفيف قيودها كثيرا - ولا سيما أن حكومة المستشارة أنجيلا ميركل الائتلافية، تبدو متوترة بسبب عدم اليقين بشأن من سيخلفها.
يقول وولف، "أعتقد أن الأمر سيصبح أسوأ بكثير قبل أن تكون هناك إرادة سياسية في البرلمان الألماني في برلين، لقبول تحفيز كبير من المالية العامة" يحقن في اقتصاد منطقة اليورو، ويدفعها إلى الانطلاق.
في الولايات المتحدة، أقر الكونجرس مشروع قانون طارئ لفيروس كورونا بقيمة ثمانية مليارات دولار، إلا أن موظفين مرموقين من كلا الحزبين يقولون إن الكونجرس لا يزال يركز على أزمة الصحة العامة العاجلة، وقد بدأ للتو فقط بالتفكير بالانهيار في الطلب الذي قد يتبع.
يقول أحدهم "إنه يتغير بسرعة. إنه وقت صعب جدا".
طرح الرئيس دونالد ترمب يوم الثلاثاء الماضي احتمال خفض الضريبة على الرواتب، إلا أن الثابت هو أنه يراهن على إعادة انتخابه بالإبقاء على معدل البطالة المنخفض تاريخيا.
التفكير في حزمة إنقاذ اقتصادية سيكون هو نفسه وصفة التفكير في اقتصاد بحاجة إلى إنقاذ.
قال لاري كودلو، مدير المجلس الاقتصادي الوطني، لقناة CNBC يوم الجمعة، "نفضل اتباع نهج مستهدف. دعونا نفكر في الأفراد الذين قد يخسرون رواتبهم، لأن عليهم البقاء في المنزل إذا أصيبوا بالفيروس. دعونا نفكر في الشركات الصغيرة التي قد تتضرر من هذا. أنا لا أريد إثارة الذعر".
"البيت الأبيض ليس مستعدا لهذا في الوقت الحالي"، كما يقول جو بروسويلاس، كبير الاقتصاديين في شركة آر إس إم RSM الذي يتمتع بعلاقات جيدة مع صناع السياسة، بما في ذلك البعض في الإدارة.
ويضيف، "لا يريدون القيام بحزمة من المالية العامة".
يقول بروسويلاس إنه لا يوجد حديث على الإطلاق داخل البيت الأبيض عن انخفاض في الطلب أو تراجع المعنويات بسبب انتشار الفيروس.
"هذا هو الأمر الأكثر إثارة للخوف. هم ليسوا على استعداد للاعتراف علنا أنه ستكون هناك آثار عميقة من الدرجة الثانية".
ماذا عن التنين الأصفر؟
الصين هي مصدر الفيروس، وقد عانى اقتصادها الضخم متسارع النمو، من أسوأ ضربة حتى الآن، منذ الأزمة العالمية الأخيرة، على الأقل، وقد كانت حتى خلاله قاطرة النمو الاقتصادي العالمي بتزعمها لمجموعة بريكس الصامدة.
بنك الشعب الصيني قاوم الدعوات لإطلاق تحفيز كامل، وبدلا من ذلك أجرى بعض التسهيل المستهدف فحسب.
يقول لاري هو، رئيس قسم اقتصاديات الصين في مجموعة ماكواري، "تسهيل السياسة النقدية في الصين مفيد، لكنه ليس كافيا لانتعاش الاقتصاد الصيني، فضلا عن الاقتصاد العالمي".
يأمل خبراء الاقتصاد بمزيد من التحفيز من المالية العامة بدلا من ذلك. دفعت الأزمة بكين في أوائل العام إلى تخصيص السندات للإنفاق على مشاريع البنية التحتية. باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فإن طفرة بناء متجددة داخل الصين، يمكن أن تدفع الطلب العالمي على الموارد، إلا أنه لا يوجد ما يدل على مؤشرات على مثل هذا النشاط في أسواق السلع الرأسمالية، فضلا عن وجوده المادي.
يقول بوسن إنه بسبب عدم تعاون الحكومات، فإن البنوك المركزية تتدخل لأنها في النهاية الخاسرة من لعبة التنازل: هي من يتخذ الإجراءات، حتى بأدوات غير مثالية، لأنها لا تعتقد أن السلطات المالية العامة ستفعل ذلك.
ويضيف أن من المدهش أن "الحكومة المنتخبة يمكن أن تهدد بشكل موثوق، أننا لن ننفق على شعبنا، لكن في الواقع هذه هي الحقيقة".
يشير بوسن إلى فشل الولايات المتحدة في إصلاح إمدادات المياه الملوثة في فلينت بولاية ميشيجان، وتدابير التقشف البريطانية بعد الأزمة المالية، وتردد ألمانيا في الإنفاق على البنية التحتية كأمثلة.
"هذا في الواقع أكثر مصداقية بكثير لأي سبب غريب كان، بألا تستجيب الحكومات إلى الأحداث". إذا كانت البنوك المركزية لن تتدخل حقا، فإن فيروس كورونا سيوفر أشد الاختبارات صرامة لتلك المواقف السلبية.