تحقيق خاص : خدمات الاتصالات بين جشع الوكلاء وحاجة البسطاء

التنمية برس | عن التنمية اليوم - تحقيق// أحمد محمد حسن : تصوير/ صقر العقربي :

أما آن الأوان لتحرير الخدمات الاتصالية من وحوش الاحتكار الكاسرة؟

غياب التخطيط السليم شوّه مبدأ الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص

لمن أصبح ولاء العميل في ظل تفاوت أسعار خدمة الاتصال؟

قلق المواطنين يثير جدلًا واسعًا حول أسعار خدمات شركة (MTN) المتفاوتة في داخل إدارة الشركة وخارجها

وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات تقف مكتوفة الأيدي!

 

قصة البداية والإرهاصات

منذ أن أصدرت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات أول ترخيص لإنشاء مركز الاتصالات وفتح مجال للاستثمار المحلي والأجنبي بالشراكة في هذا القطاع الحيوي ومساواة المستثمر المحلي الوطني مع المستثمر الأجنبي في الحقوق والواجبات وتقديم الامتيازات والضمانات والتسهيلات التي يمنحها قانون الإستثمار اليمني للقطاع الخاص.

وبالرغم من قدم تاريخ الاتصالات في اليمن إلى حوالي أكثر من قرن واحد من الزمان عندما أدخلت سلطات الاحتلال العثماني خدمات التلغراف بواسطة الخطوط المحمولة فردية السلك، وبالرغم من إدخال سلطات الاحتلال البريطاني في أوائل الخمسينيات بعض السنترالات الميكانيكية - نوع سترو صرفي - في كل من المعلا وكريتر والمنصورة، وما أعقب هذه المشاريع في مجال الاتصالات وما جاورها من إرهاصات كمقدمات لاحقة خلال السنوات الماضية - لا زالت المنغصات هي المتصدرة في مسيرة هذا القطاع حتى يومنا هذا، ونستدل بهذا الشأن ما يجري اليوم من تأرجح وتباين أسعار الخدمات المقدمة للمواطنين من قبل شركة واحدة، والكل ينحي باللائمة على الآخر، إدارة شركة (MTN) في عدن التي مركزها حالياً بمديرية المعلا تنحو باللائمة على الوكلاء بدرجة أساسية؛ لأن سعرها محدد بـ(١٢٠٠) ريال للكرت الواحد الذي يشتريه المواطن حين يرتفع سعره إلى (2.400) ريال خارج الإدارة في محلات الاتصالات الخاصة والبقالات وتصل نسبة فارق الأسعار ما بين ( ٤٥٪ ) إلى ( ٥٠٪ )  والمبررات كثيرة من قبل أطراف الخدمة.

إدارة الشركة وأصحاب المحلات والبقالات يجزمون بأن السبب في الارتفاع هم الوكلاء المحتكرون والموزعون، بينما يعزوا أصحاب المحلات والبقالات ارتفاع سعر باقات الاتصال من قبلهم بسبب التحويلات بين عدن وصنعاء والفارق بين صرف العملة الجديدة في عدن والتعامل بالعملة القديمة في صنعاء مما يزيد من تكلفة كروت (MTN) وبالتالي ينعكس هذا الارتفاع على سعر هذه الخدمة.

المواطن يتأرجح بين الاندهاش وغياب العدل في أسعار الكروت 

أما العميل أو المواطن الذي ظل يندهش ويستغرب من تفاوت أسعار خدمات (MTN) في محيط إدارتها في عدن مقارنة بأسعار أصحاب محلات الاتصالات والبقالات في عدن في حين تساوي أسعار الباقات لنفس الشركة وغيرها من شركات الاتصالات في محافظة حضرموت، وأصبح المواطن في حيرة ويشعر بأن هذا ظلم اجتماعي للمواطنين، والبعض منهم حين سألناه عن هذا الإشكال رجح قائلاً: "ما ضاقت إلا وانفرجت". أما بعض الأخوات اللواتي وجدناهن في طابورين طويلين مكتظين من النساء والرجال أمام مبنى إدارة شركة MTN)) في المعلا يكتوين بلهيب الحر من أجل الحصول على السعر الأدنى لخدمة هذه الشركة البالغ (1200) ريال للباقة بدلاً من أن يحصلن عليها بسعر (2400) ريال، وألمحت إحداهن تقول لي: "سنصبر صبراً جميلاً أو كما يقول الموال الصعيدي المصري غيري فرح بالفرح، وأنا فرحتي صبري". 

مواطنون: تفاوت الأسعار غير منصف 

وحتى تكتمل الصورة الواقعية الميدانية لنقل هموم المواطن ورؤيته في معالجة هذا الإشكال التقينا عدداً من المواطنين الذين يتعاملون مع خدمات شركة MTN)) وكانت محطتنا الأولى مع المواطن/ أحمد صالح الذي قال لي: "إن تفاوت سعر الباقات في خدمات الشركة تفاوت غير منطقي، حيث أن سعر الشركة مناسب (1200) ريال في حين أصحاب المحلات غير منطقي وظالم وغير أخلاقي، مهما تعددت المبررات فالظلم واحد". 

أما المواطن/ عوض صالح - وهو أحد نشطاء المجتمع المدني في عدن - عبر عن استغرابه في تفاوت أسعار هذه الخدمة مابين إدارة الشركة الذي يصل إلى (1200) ريال وارتفاعه إلى (2400) ريال خارج الإدارة وقال: "الفارق كبير ومجحف، إذ يصل الفارق إلى نسبة (٤٥٪) إلى (٥٠٪) وهذا ظلم بالنسبة للمواطن".

ويتذرع الجشعون من الوكلاء وتجار البقالات وأصحاب بيع الجوالات بأن السبب يعود إلى ارتفاع سعر العملة وظلم التحويلات إلى صنعاء. ويتساءل المواطنون قائلون: "لماذا لم يشترِ أصحاب البقالات وأصحاب المحلات كروت الخدمة من إدارة الشركة بالمعلا المحدد سعرها بـ(1200) ريال وتبيعه على المواطن بنفس السعر مع حصولهم على عمولة مناسبة تفي بالغرض الربحي من أجل كسر احتكار الوكلاء والموزعين؟

شخصية تربوية: لا بد من إيقاف هذا التلاعب من قبل الوكلاء 

الأستاذ/ أحمد سعيد - من أبناء المعلا مشرف تعليم سابق في إدارة التربية بالمديرية - وجدناه منهكا جراء الانتظار في الطابور أمام مبنى إدارة الشركة في المعلا، الذي اقترح بضرورة معالجة هذا الإشكال بإيقاف هذا التلاعب بالأسعار وإيقاف بيع باقات النت وعلى أصحاب البقالات التعامل المباشر مع إدارة الشركة التي تبيع سعر الباقة بأقل من سعر الوكلاء بنسبة (50%).

ماذا قال أصحاب المحلات والبقالات؟

مواطنان، امتنعا عن ذكر اسميهما، وهما من أصحاب محلات الاتصالات والبقالات التي تبيع باقات (MTN) بسعر مرتفع قالا لي: "إن سبب ارتفاع أسعار باقات الشركة هو بسبب جشع الوكلاء وأيضا بسبب الفارق بين تحويلات العملة من عدن إلى صنعاء بمقر الشركة هناك، ما سبب لنا خسارة، وحتى لا نتحمل تلك الخسارة قمنا برفع الأسعار على حساب المواطن فضلاً عن تغيرات أسعار العملة، وتساءلا: لماذا لا تتعاون معنا إدارة شركة (MTN) في المعلا ببيعنا الكروت بنفس سعرها للمواطن؟ وجددا تساؤلهما في استغراب: لماذا تتمنع الشركة من التعامل معنا حتى نكسر الاحتكار من الوكلاء ونضع حداً لابتزاز الموزعين وإنصاف المواطن المظلوم؟ أليس هذا السؤال محيراً ومثيراً للدهشة والجدل؟

نائب مدير الشركة بالمعلا: الدولة لم تعمل حتى الآن حلاً للسعر 

نائب مدير شركة (MTN) بالمعلا شخّص هذه المشكلة موضحا بالقول: "مشكلة الدولة أنها لم تعمل حلاً للسعر، نحن في شركتنا السعر عادي (١٢٠٠) ريال، أما الجزء الآخر من المشكلة أن البنك يأخذ عمولة عند التحويل إلى صنعاء ما بين (٤٥) إلى (٥٠٪) ولذلك فالموزع أو التاجر يضيف نسبة العمولة فوق قيمة الباقة".

أحد المواطنين لفت النظر قائلاً: "نحن نطالب الدولة أن تضع حداً لفارق العملة، فالألف الريال في عدن أصبح يساوي (١٤٠٠) في صنعاء، فهذا الأمر أحد أسباب ارتفاع سعر الكروت".

والمواطنون الذين التقيناهم ضمن طابور الانتظار الطويل أمام مبنى إدارة الشركة قال أحدهم باستغراب: "أنا وصلت أمس البارحة من حضرموت فوجدت أن سعر باقات شركة الهاتف الجوال في جميع النقاط مبلغ (١٣٠٠) ريال فقط في حين عدن سعرها مختلف، والمقارنة في الشحن الفوري ولديها سعران مختلفان بسبب التعويم الحر للعملة".

الشركة في عدن ترفض البيع للوكلاء

الأخ/ محمود بن احمد علوي، صاحب محل لبيع مستلزمات الجوال والشحن الفوري في مديرية التواهي بحي البنجسار، حينما سألناه عن تفاوت أسعار الكروت أوضح قائلاً: "إن تفاوت أسعار باقات (MTN) يعود السبب إلى أن الشركة ترفض بيع الوكلاء بالسعر الرسمي فيضطرون أن يشتروا من صنعاء مما جعل خسائر التحويل تصل إلى (٧٠٪) حيث يأخذون هناك في صنعاء سبعمائة ألف ريال كحوالة".

وحينما سألته: ما الحل؟ قال: "الحل بين الجهات المسئولة في الاتصالات الحكومية لكي تُلزم الشركة ببيع الأرصدة بالسعر الرسمي للوكلاء".

صاحب محلات البرق: خدمات (MTN) سيئة ولا يوجد اهتمام 

محمد ياسين - البائع في محلات البرق بالتواهي - حينما سألناه عن تفاوت أسعار باقات (MTN) ومقارنتها بباقات شركة سبأ فون قال: "إن شركة (MTN) تدفع فارق التحويل، فيما شبكة سبأ فون سعر كروتها (2000) للباقة الشهرية، وأجزم أن شبكة (MTN) سيئة". وقال: "لا يوجد اهتمام بالمشتركين في المناطق المحررة".

 وزارة الاتصالات صاحبة الشأن تمتنع عن التعليق

حينما ذهبنا إلى مبنى وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات الواقع في مديرية التواهي بعدن لمقابلة الوكيل اعتذر عن مقابلتنا وأحالنا إلى المسئول الإعلامي في الوزارة الذي عجزنا عن الاتصال به؛ لأن هاتفه دائماً مغلق، وكأن الأمر بالنسبة لهم غير قابل للتعليق، وموقفهم هذا يعكس عجزهم عن الإجابة عن السؤال المطروح من المواطنين: ما الحلول لدى الوزارة (أصحاب الشأن) لهذه المشكلات؟ ويبدو أنهم يتهربون من الإحراجات، وفاقد الشيء لا يعطيه! .