مصانع طحن الاسمنت..مشاريع العصر
د/ حسين الملعسي
■ صناعة الإسمنت هي عملية تحويل المواد الخام مثل الحجر الجيري والطين إلى مادة بناء قوية تستخدم في تشي...
رحلت عن عالمنا فى هدوء وشموخ أستاذة القانون المحاميه راقيه حميدان رحمة الله عليها ، لا أكتب اليوم رثاءً للفقيده، فأنا لا أجيد الكتابه عن من أحب، سواء كانوا من الأحياء أو الموتى، وعندما يرحل عن عالمنا شخص ممن أحبهم تنتابنى مشاعر حزن وألم ممزوجة بقدر غريب من الإنكار!!، وبالتالى لا أستطيع أن أكتب، وحتى إن كتبت تكتمل المأساة!!.. تأتى كتابتى بائسة وفقيرة، وأقل بكثير من حقيقة مشاعرى، ومما كنت أحاول أن أسجله، وقد صادفت بؤس الكتابة فى مرات عديدة.. كان آخرها عندما رحل عن عالمنا الكثير من رجالات القضاء والقانون وعلى رأسهم اخي الشهيد القاضي محسن علوان والقاضي عبدالهادي المفلحي والشهيد احمد الادريسي .. وطلب منى أخي لطفي المندري في وقتها - أن أكتب عن علاقتى بالادريسي.. واعتذرت.. لكنه ألح.. وكتبت ويا لسوء وفقر ما كتبته. من يومها وأنا أحاول دائمًا الابتعاد أو الهرب من الكتابة عن صديق أو أستاذ لى رحل عن عالمنا.. لم أتمكن من كتابه مقال عن احدا من أقربائي الذىن رحلوا عنا كعادتهم بموت سريع وصادم، وفشلت أيضًا فى الكتابة عن الأستاذ علي زين العيدروس أستاذى الذى تعلمت منه الكثير والاستاذ المحامي منير جراده والاستاذ المحافظ السابق طه أحمد غانم .
تهربت من نفسى قرابة ليله كامله بعد سماعي للخبر المؤلم وان كان الموت حقا علينا وحاولت ان لا أكتب عن ألاستاذه راقيه التي قدمت امامي العديد من المرافعات تعلمت منها الكثير منه اداب المرافعه و المرافعات وذات يوم سألتها عن أسباب خروجها من قاعة المحكمه وهي تسير الى الخلف ووجها على المنصه قالت هكذا ضرورة احترام المنصه وهذا فعلا ماتعلمته في محاكم الدول المتقدمه التي درست فيها فلايغادر الخصوم أوالمحاميين قاعات المحاكم الا سائرين هونا ووجوههم نحو المنصة سيرا الى الخلف ، وعن نفسي اقتربت منها إنسانيًا وعلميًا، وتعلمت منها الكثير، لكن بعض الأصدقاء عاتبونى وطلبوا منى أن أكتب، وها أنا أكتب، ولكن ليعذرنى هؤلاء الأصدقاء، وأسرة الفقيده عن أى بؤس أو تقصير فيما كتبته، فمن الصعب أن أكتب عن حياتها وخصالها أو مسيرتها المهنية فى الترافع والبحث وممارستها للعمل التشريعي، فالراحله كانت عالمًة جادًة ومخلصًه لوطنها وعلمها ووطنيتها بكل ما تحمله الكلمة من أبعاد وتحديات، وبالتالى زاهدة فى مُتاع الحياة أو البحث عن السلطة والمال، أو الظهور الإعلامى.
وهبت حياتها وعلمها لخدمة الوطن والدعوة للعدالة الاجتماعية والسلام العالمى، فكانت أقرب إلى الفكر الانساني الملتزم بقيم الوطنية والإسلام، وكانت أحد دعاة التعايش بين الشعوب والحضارات، وضد خطابات الكراهية والحروب فى وطننا و العالم حتى رشحت لجائزة نوبل ، وكانت هذه القيم والمثل العليا تحركها وتؤطر كتاباتها وفضحت عمليات تضليل الرأى العام والتلاعب به.
ومن حيث التأهيل والتدريب الذي التزمت بها الاستاذه فهى أختارت تلامذتها الذين أشرفت عليهم فى مجال المحاماه من خريجي كلية الحقوق جامعة عدن وغيرها من الجامعات ، وكانت تقول إن المحامي ليس بكثرة عدد القضايا، وإنما بنوعيتهم، ومن الصعب أن تجد طالبًا أو طالبة جادة، وهو قول صادق تؤكده الأيام، لكن الأهم أنه من الصعب أيضًا أن تجد أستاذًا جادًا ومخلصًا يشرف على طلابه كما كانت تفعله الاستاذه راقيه ، فهي كانت تتابع احكامي في بدايات عملي القضائي وتقدم لي النصح والإرشاد واقتراح المراجع القانونيه للمناقشة، يا للروعة.. هكذا كان أسلوب الاستاذه فى الإشراف علىّ القضاة والمحاميين المستجدين، وهو أسلوب اختفى للأسف من حياتنا القضائية .
رحم الله الاستاذه راقيه حميدان واتمنى من الله العلي القدير ان يسكنها في فسيح جناته ويلهم أهلها وذويها الصبر والسلوان وان لله وان اليه راجعون ..!!