مصانع طحن الاسمنت..مشاريع العصر
د/ حسين الملعسي
■ صناعة الإسمنت هي عملية تحويل المواد الخام مثل الحجر الجيري والطين إلى مادة بناء قوية تستخدم في تشي...
أزمة المياه العالمية، هي من تلك الأزمات التي تتسرب على السطح في العمق في آن معا. وهذا النوع من التسرب هو الأكثر "فضائحية" قياسا بغيره. أي أن أحدا لا يستطيع الادعاء بعدم معرفته به. فالأزمة عميقة، كما أن دلالاتها من أوضح الدلالات في التاريخ. شهدناها في إفريقيا في العقد الثامن من القرن الماضي، وفي بعض المناطق في أمريكا اللاتينية. بل إن الولايات المتحدة نفسها شهدتها الصيف الماضي في غير منطقة فيها. مع الفارق الكبير، طبعا، بين الأثر الذي تركته على الساحة الأمريكية، وذاك الذي تركته على الساحة الإفريقية. هذا الأخير كان بشعا، إلى درجة صعوبة متابعته على النفس الإنسانية. الجميع يتذكر تلك المشاهد المحطمة للقلوب التي أظهرت بشرا يموتون من الجفاف!
من الناحية "الفانتازية"، ربما الأمر يتطلب تجدد مصادر المياه عن طريق النيازك! بعد أن ثبت علميا أنها المسؤولة الوحيدة عن وجود المياه على كوكب الأرض قبل 3.9 مليار سنة. من الناحية العملية، لم تحقق كل السياسات التي اتبعتها وكالات الأمم المتحدة، وكذلك المؤسسات الحكومية والأهلية المعنية بهذا الأمر، ما يمكن اعتباره "أمنا مائيا" عالميا. صحيح أنها حدت من بعض الكوارث هنا وهناك، لكنها لم تقدم حلا أو برنامجا أو حتى رؤية تنشر الطمأنينة في العالم بهذا الخصوص. نجحت بلا شك في إيقاف آلة الموت الناجمة عن الجفاف في غير منطقة حول العالم، وقدمت بالفعل بعض الأدوات للحفاظ على هذا النجاح في المناطق نفسها، إلا أن الأزمة بصورتها العامة بقيت كما هي، في حين يتعاظم التهديد الناجم عنها، وفقا للتغييرات الديمغرافية الطبيعية.
المصيبة لا تتعلق فقط بالعطش الناجم عن شح المياه. فوفق للأمم المتحدة، فإن ملايين الأطفال، مثلا، يموتون بسبب الأمراض المرتبطة بعدم كفاية إمدادات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية. وطبعا، تؤثر ندرة المياه في 40 في المائة من سكان العالم. يبدو أن الأرقام لم تعد صادمة بهذا الشأن، خصوصا بعد أن تكررت كثيرا على مدى عقود وسنوات. فالمنظمة الدولية تشير إلى أن ما يقرب من مليار إنسان لا يحصلون على مياه نظيفة، وأن 1.7 مليار شخص، يعيشون حاليا في أحواض الأنهار حيث يتجاوز استخدام المياه إعادة التعبئة. ليس هذا فحسب، بل يفتقد 2.1 مليار فرد خدمات مياه الشرب المأمونة، ويفتقد 4.5 مليار فرد خدمات المرافق الصحية. ويموت سنويا 340 ألف طفل بسبب أمراض الإسهال، و90 في المائة من الكوارث الطبيعية متصلة بالمياه. تستخدم 75 في المائة من المياه المستخدمة في الصناعة في إنتاج الطاقة!
أرقام مرعبة بالتأكيد، لكن من فرط تكرارها خف الرعب الناجم عنها، خصوصا إذا ما عرفنا الحقائق المستقبلية لهذه المصيبة التاريخية. فالطلب العالمي على المياه سيرتفع من 4500 مليار متر مكعب حاليا إلى 6900 مليار متر مكعب في عام 2030. ويحتاج كل فرد في المتوسط إلى ألف متر مكعب من المياه على الأقل سنويا ــــ أي ما يعادل خمسي حجم بركة سباحة أولمبية. واحتمال حصول الناس على كميات كافية من المياه يتوقف في الغالب على مكان إقامتهم، لأن ثمة تباينا كبيرا في توزع الموارد المائية العالمية. بالطبع لا أحد يمكنه أن يلوم أي جهة على حقيقة هذا التوزع، لكن اللوم يوجه إلى غياب العدالة التي يمكن للبشر أن ينشروها على الساحة العالمية.
رغم كل ما تقدم، فالآتي أعظم، وأبشع، وأعنف، وغير إنساني بصورة مفرطة. شح المياه هذا يهدد خمسة مليارات إنسان حول العالم بحلول 2050. هذا وفقا للمنتدى العالمي للمياه. وبالطبع يشدد المنتدى كما الجهات العالمية المشابهة على ضرورة الترشيد ليس فقط لسد الاحتياجات الخاصة بالشرب، بل أيضا لإنتاج الأغذية. على القطاع الزراعي الآن أن يعتمد أساليب أقل استهلاكا للمياه. كيف؟ ومن أين؟ وإلى متى؟ إنها أسئلة أضيفت إلى مثيلاتها الكثيرة المتشعبة الخاصة بمصيبة المياه. لا شك أن التكنولوجيا توفر بعضا من الحلول بهذا الصدد، إلا أنها ليست منتشرة بما يكفي، إلى جانب، طبعا، صعوبة وصولها إلى أماكن في أمس الحاجة إليها، لأسباب اقتصادية بحتة. فهذه التكنولوجيا لا تزال مكلفة.
تعمقت أزمة المياه العالمية لتشمل تأثيراتها الخطيرة الإنتاج الغذائي، خصوصا إذا ما أخذنا في الاعتبار الوضع الغذائي الهش في العالم، ناهيك عن أسعار الغذاء التي وإن انخفضت مرة، ترتفع عشرات المرات. نظرة سريعة على لوائح منظمة الغذاء العالمي تلخص المشهد العام بهذا الشأن. بات العمل الآن على التوازن بين استهلاكها لمواصلة الحياة، واستخدامها لمواصلة إنتاج الغذاء من أجل الحياة أيضا. الوقت انتهى منذ زمن لحل أزمة المياه في العالم، وليس هناك مفر من اختراع وقت آخر لإيجاد حل، يبدو واضحا أنه سيبقى ضائعا.