لماذا توقفت حملات تشويه تجار الخردة؟!
ماجد الداعري
■ بعد صدور حكم قضائي نافذ لصالح تجار الخردة، قضى بحفظ حقوقهم وحصولهم على 75% من قيمة الطن الخردة عال...
دخلت الميزانية العامة السعودية لعام 2019 التاريخ من عدة أبواب، فضلا عن أنها تأتي ضمن الإطار الاستراتيجي العام في البلاد، الذي يستند إلى "رؤية المملكة 2030" وبرنامج التحول المصاحب لها. وتاريخية الميزانية جزء من حراك تاريخي بالفعل يجري في السعودية، يتمثل في بناء اقتصاد وطني جديد، يأخذ في الحسبان كل الاستحقاقات والمتغيرات، إضافة إلى التحولات الجارية على الساحتين الإقليمية والعالمية. وعلى هذا الأساس، فإن كل ميزانية عامة سعودية، هي في الواقع أداة سنوية جديدة لاستكمال عملية البناء الاقتصادي، وهذه العملية تضم كل العناصر الموجودة على الساحة تحت لواءي القطاعين العام والخاص، والاستثمارات المحلية والأجنبية، والمشاريع المتعددة والمتنوعة التي طرحت ثلاثة أعوام تقريبا، وتلك التي تنتظر الطرح في المستقبل، وفق مسار الحراك الاستراتيجي المشار إليه. تتقدم في السعودية خطوات لافتة على صعيد تنويع مصادر الدخل، وهذا محور رئيس في "رؤية المملكة". فبلا هذا التنوع لا تبنى الاقتصادات المستدامة، كما أن الشكل الاقتصادي العام سيبقى كما هو أقرب إلى "الريعية" منه إلى التنمية. وكان لافتا في ميزانية عام 2019 أن إيرادات القطاعات غير النفطية ارتفعت في العام الجاري بنسبة 48 في المائة، وهي قابلة طبعا للزيادة في المستقبل، لأن هناك مشاريع قيد الإنجاز ستدخل السوق بعيدة عن قطاع النفط والطاقة، وفي مقدمتها تلك المرتبطة بالسياحة والخدمات والترفيه وغير ذلك. ومن الواضح أن هذه الساحة ستحقق نموا كبيرا ليس فقط من ضخامة المشاريع التي تختص بها، بل من جهة الإمكانيات الطبيعية التي تتمتع بها السعودية في مختلف أطرافها. القيمة المالية الهائلة للميزانية السعودية العامة، لم تكن مفاجئة لأحد، لأن كل الجهات التي تتابع المسار الاقتصادي السعودي تعرف أن الميزانية المذكورة ستتجاوز التريليون ريال في العام المقبل، وهذه المعرفة تعود أساسا إلى أن حجم الإنفاق الفعلي الذي شهدته السعودية في العام الجاري تجاوز بالفعل التريليون ريال.
أي أن التاريخ في هذا الجانب ُسجل قبل الوصول إلى العام الجديد. ومن هنا فإن 1.106 تريليون ريال في الميزانية الجديدة، له من الدلالات الكثير، بما في ذلك بالطبع أن حجم الإنفاق ارتفع بصورة كبيرة، وهو شيء يبدو متعذرا حتى في البلدان الأكبر من حيث حجم اقتصاداتها. دون أن ننسى بالطبع أن احتياجات تنفيذ "رؤية المملكة 2030" تتطلب إنفاقا تنمويا كبيرا من الآن حتى تحقيق الأهداف الاستراتيجية الشاملة.
وارتفاع الإنفاق يأتي ضمن مخططات واضحة أيضا، وهي تحفيز النمو، وتشجيع دور القطاع الخاص في الحراك الاقتصادي ككل. فمن ضمن الأسس التي تقوم عليها "رؤية المملكة" أن يكون للقطاع الخاص دور رئيس في التنمية، ما يعزز التشريعات والقوانين التي تشجع على ذلك، فضلا عن الأدوات الدافعة لهذا القطاع. وأهم ما يميز هذا الإنفاق أنه تنموي أي ليس استهلاكيا. بمعنى أنه عالي القيمة من حيث العوائد المرجوة منه. ولم يكن الأمر هكذا في السابق. ومن هنا يمكن القول، إن الإنفاق في الميزانيات المقبلة سيرتفع وفق معايير التنمية التي تصب في النهاية ضمن الاستراتيجية العامة الواضحة. والحق أن السعودية "مثل غيرها من بلدان العالم" تحتاج إلى تحفيز النمو خصوصا في أوقات عدم الوضوح الاقتصادي العالمية، مع ضرورة التأكيد على أن النمو الاقتصادي في المملكة لم يتأثر بصورة سلبية مع الهزات التي ضربت أسعار النفط قبل ثلاث سنوات تقريبا.
وعن الإنفاق أيضا الذي ارتفع بنسبة 7 في المائة في ميزانية العام المقبل، هناك كثير من المشاريع ستستفيد منه، بما في ذلك تلك التي تختص بالعمل المتواصل على تقليص حجم البطالة. وهذه النقطة بالذات لها خصوصيات كثيرة اقتصادية واجتماعية. ففي مرحلة ما بعد إطلاق "رؤية المملكة" حققت نسب التوظيف في السعودية للسعودية درجات مرضية، وتمضي الأمور على هذا النهج في السنوات القليلة المقبلة. كل هذا يجري في الوقت الذي تمكنت فيه المملكة من خفض العجز في الموازنة بصورة لافتة، ما يعزز مرة أخرى جدوى المسار الاستراتيجي الاقتصادي الراهن. فهذا العجز من المتوقع أن ينخفض 3.6 في المائة مقارنة بالعجز المسجل في العام المالي 2018. والسبب الوحيد بالطبع أن الإيرادات حققت ارتفاعا إلى 975 مليار ريال. وعلى هذا الأساس، من المتوقع أن يتراجع العجز في السنوات المقبلة، خصوصا إذا ما حافظت أسعار النفط عند مستويات مقبولة.
الميزانيتان للعامين 2020 و2021 ستكونان على أساس نفس المنهج، ما يؤكد مجددا القدرة الاقتصادية السعودية على تحقيق التنمية في ظل البناء الاقتصادي الهائل الذي يجري. فالميزانية الجديدة التي قفزت بسهولة فوق التريليون ريال، من المتوقع أن تصل إلى 1.15 تريليون ريال في العام الأول من العقد المقبل، وأكثر من ذلك في العام الذي يليه. أي أننا ننتظر تطورات اقتصادية مختلفة على الساحة السعودية، في الوقت الذي تكون فيه مجموعة من مشاريع "الرؤية" قد اكتملت، ما سيدفع الأمور نحو مزيد من النمو.
إن ميزانية عام 2019 السعودية تمثل بالفعل نقطة تحول في الحراك الاقتصادي للبلاد ككل، من ناحية حجمها الهائل، ومخططاتها المستقبلية، وتلك التي تجري على الأرض حاليا، مع ضرورة التأكيد على أن هذه المخططات شجعت كثيرا من الجهات الأجنبية على أن تكون لها حصص فيها، مستندة إلى السمعة الائتمانية الجيدة للسعودية، وجدوى مشاريعها التنموية.