لماذا توقفت حملات تشويه تجار الخردة؟!
ماجد الداعري
■ بعد صدور حكم قضائي نافذ لصالح تجار الخردة، قضى بحفظ حقوقهم وحصولهم على 75% من قيمة الطن الخردة عال...
"قرار فرض الرسوم الجمركية الأمريكية، خطأ وغير شرعي" إيمانويل ماكرون، رئيس فرنسا في خضم التجاذب الكلامي بين الرئيس الأمريكي دونالد ترمب وعدد من قادة البلدان الرئيسة في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، حول تمويل الحلف، ظلت مسألة الرسوم الجمركية الأمريكية التي فرضتها واشنطن على صادرات دول أوروبية حليفة ومعها كندا، وكذلك الأمر بالنسبة للصين والمكسيك، ظلت هذه المسألة مسيطرة على الساحة. وأخذت بعدا جديدا، عندما تعالت أصوات مؤسسات اقتصادية عالمية كبرى، بأن الأمور تسير نحو حرب تجارية حقيقية، ستأخذ معها كل المكاسب التي تحققت في السنوات الماضية، خصوصا على صعيد استقرار النمو الاقتصادي العالمي. مذكرة طبعا بالمصائب التي انتهت بالفعل جراء الأزمة الاقتصادية العالمية، بعد عشر سنوات من انفجارها. بمعنى أن حربا تجارية لن تسمح حتى بالاحتفال بنهاية تبعات هذه الأزمة. المعايير التجارية الراهنة في أعقاب توجهات الإدارة الأمريكية، ضربت بالفعل الحالة التحالفية التاريخية المعروفة بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية. والحق أن الأطراف المعنية لم تعد تتصرف على أساس الشراكة، بل وفق أسس "منافسة غاضبة"، إن جاز القول؛ أي أنها ليست منافسة من تلك التي تصب - في النهاية - في مصلحة المستهلك بصرف النظر عن موقعه وجنسيته. بعض المسؤولين الكنديين أبلغوا نظراءهم الأوروبيين في غير مناسبة، ألا يستغربوا الأمر، عليهم فقط تذكر أن الإجراءات التجارية الأمريكية نالت من كندا الأقرب على الإطلاق إلى الولايات المتحدة، وتشترك معها في اتفاقيات تاريخية أكثر عمقا، بل في منطقة تجارية واحدة أيضا. لا غرابة في استمرار الموقف الأمريكي التجاري العام، رغم كل المباحثات والمشاورات والاتصالات، التي تجري لتبديل هذا الموقف، أو تليينه على الأقل. من هنا، خلافات التمويل لحلف الناتو، لا معنى لها أمام الخلافات الخاصة بالموضوع التجاري بين واشنطن والعواصم الأخرى المعنية. فترمب حصل بالفعل وبسرعة، على التزامات دول برفع حجم تمويلها لهذا الحلف، وفي مقدمتها ألمانيا، علما بأن الولايات المتحدة تسهم بـ 80 في المائة من ميزانيته، لكنه ترك أزمة تجارية متفاعلة إلى درجة التهديدات المتبادلة بين الأطراف. وهذه التهديدات طفت على السطح بعد أن استُنفدِت كل المشاورات الدبلوماسية، بما فيها دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره الأمريكي لمفاوضات مع الاتحاد الأوروبي والصين واليابان، لتعزيز قواعد منظمة التجارة العالمية. في سياسة واشنطن التجارية، لا قيمة حقيقية لمنظمة التجارة، ما دفع وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لو مير إلى الإعلان أن بلاده لن تتفاوض تحت الضغط مع واشنطن، وهذا الموقف ينطبق على كل الدول ذات الصلة بالأمر. لا يتحمل العالم معركة تجارية كبيرة ستنال من الجميع، فكيف الحال بحرب تجارة ما إن اندلعت فسيصعب إيقافها؟ وإن توقفت في مرحلة ما، فإن آثارها السلبية ستغطي مدة زمنية طويلة للغاية، ناهيك بالطبع عن الأضرار التي ستلحق بالعلاقات بين بلدان هذه الحرب، لكن علينا الاعتراف بأن مشاعر "القومية الاقتصادية" تتعاظم، وفي كل قرار يتخذ من طرف واحد، ترتفع هيمنتها على الساحة. و"قومية" كهذه أظهرت عبر التاريخ أنها غير مجدية. بعد أيام من قرار الولايات المتحدة فرض رسوم جمركية على الحديد والألمنيوم، أقدم الاتحاد الأوروبي على نشر لائحة بالمنتجات الأمريكية المشمولة برسوم إضافية تصل إلى 25 في المائة. إنه رد واضح ومباشر على الولايات المتحدة، وهو أيضا نوع من أشكال "القومية الاقتصادية" الناتجة عن "قومية" أخرى. الصين التي كانت أول البلدان المستهدفة من القرارات التجارية الأمريكية الجديدة، لم تنتظر كثيرا، فقامت فورا بفرض الرسوم الإضافية على الواردات الأمريكية إليها، وهي أيضا مالت إلى "قوميتها الاقتصادية" في نطاق الرد الانتقامي. لن يتوقف الأمر عند هذا الحد، وكل إجراء انتقامي هو في الواقع "سلاح" آخر في الحرب التجارية التي لم تعلن بعد، وإن كانت معاركها تدور بأشكال مختلفة، غير أن الأمر لا يتعلق فقط بالدول المعنية مباشرة في هذه الحرب، فالأضرار حاضرة على ساحات "المتحاربين"، كما أنها موجودة بقوة على ساحات الفقراء. وهذا ما تحدثت عنه بصراحة كريستين لاجارد مديرة صندوق النقد الدولي. ماذا قالت؟ "إن تزايد الحمائية بين اللاعبين الاقتصاديين الرئيسين في العالم، يهدد بإلحاق الضرر الأكبر بالفئة الأكثر فقرا في العالم"؛ والحمائية هنا تعبير ملطف للقومية. في التجارة المتبادلة الحقيقية، لا يوجد تعبير "نحن أولا"؛ لأنها - أي التجارة - تجمع عدة أطراف، وإلا تحولت إلى عملية تصريف المنتجات محليا، وهذا لا يمكن أن تطيقه أي دولة مهما كانت منتجة أو متقدمة اقتصاديا. ولذلك، لا بد من التفاهم بين الأطراف ذات الصلة، وهي متشعبة، لكنها واضحة في الوقت نفسه. ستواصل غيمة "القومية الاقتصادية" مخيمة على أجواء هذا العالم، إلا إذا قبلت الأطراف الحوار المثمر معا. والأهم أن تبتعد عن تلك النظرة الشعبوية في عالم لا يتحمل سوى التفاهم.