لماذا توقفت حملات تشويه تجار الخردة؟!
ماجد الداعري
■ بعد صدور حكم قضائي نافذ لصالح تجار الخردة، قضى بحفظ حقوقهم وحصولهم على 75% من قيمة الطن الخردة عال...
«لا أرى بديلا عن اتفاق الخروج الذي قدمته للبرلمان» تيريزا ماي، رئيسة وزراء بريطانيا لنترك عصابة "البيتزا" جانبا! وهي "بالمناسبة" مكونة من خمسة وزراء رئيسين في حكومة تيريزا ماي البريطانية، كلهم يؤيدون خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، لكنهم منحوا ماي حبل نجاة مؤقتا فقط. وسميت بهذا الاسم، لأن الخمسة اجتمعوا في منزل أحدهم ليلا ليقرروا مصيرهم في الحكومة، وهم يتناولون "البيتزا". سيتقرر مصير ماي في زعامة حزب المحافظين الحاكم في غضون أيام، لكن لا أحد في المملكة المتحدة يعتقد أن تقرير مصير "بريكست" سيمر بسلام، أو بأقل قدر من الفوضى السياسية، أو بأدنى خسائر شعبية لهذا الحزب أو ذاك. بعض الوزراء الذين استقالوا احتجاجا على وضعية بريطانيا التفاوضية، وصف الأزمة الراهنة في البلاد، كتلك التي عمتها بسبب حرب السويس الشهيرة في خمسينيات القرن الماضي. والحالة هي على الشكل التالي: حزب حاكم منقسم، بل تدور في أروقته حرب أهلية، بلاد منقسمة سياسيا بالفعل، رئيسة وزراء قررت استخدام آخر أسلحتها للحفاظ على موقعها الحزبي ومنصبها الوطني، حكومة أقلية يهددها حزب إيرلندي صغير في أي لحظة، لأنه قبل أن يتحالف معها، في أعقاب الانتخابات العامة الأخيرة تزايد عدد الذين يطالبون بضرورة إجراء استفتاء شعبي آخر حول بقاء المملكة المتحدة أو خروجها من الاتحاد الأوروبي، إمكانية واردة جدا أن يسقط الاتفاق الذي جلبته ماي من بروكسل في تصويت مستحق في مجلس العموم البريطاني، إمكانية أكثر ورودا "إن جاز القول" أن تجبر رئيسة الوزراء للدعوة إلى انتخابات عامة في حال سقط الاتفاق برلمانيا. هذه هي الحال على الساحة المحلية البريطانية، إلى جانب طبعا الصراعات بين الأحزاب التي تشكل مجلس العموم ورئيسة الوزراء. ومن المفارقات أن أولئك الذين أيدوا بقاء بريطانيا في الاتحاد وكذلك الذين حاربوا لتأمين خروجها منه، يتحدون دون أن يتفقوا بالطبع، على ضرب الاتفاق النهائي المشار إليه. وأقول النهائي، لأن المفوضية الأوروبية قالت بوضوح لا تفكروا في إعادة التفاوض حول أي بند من بنود الاتفاق الذي ضمته 585 صفحة. وقالت أيضا، هذا يكفي بعد أكثر من عامين من المفاوضات. بالطبع عصابة "البيتزا" ظلت في حكومة ماي، ليس حبا في هذه الأخيرة، بل سعيا لإقناعها بإعادة عملية التفاوض مع أوروبا. وسواء بقيت في الحكومة أم خرجت، فإن التفاوض بات مستحيلا، ليس فقط بسبب الموقف الأوروبي، بل من جهة موقف رئيسة الحكومة نفسها التي قدمت الاتفاق على أن بديله هو لا اتفاق. "لا اتفاق" هو في الواقع مصيبة تتشكل غيومها مع كل رفض لهذا الاتفاق. ومعنى ذلك، أن بريطانيا التي ستأخذ حريتها من الاتحاد الأوروبي، ستناضل من أجل بناء علاقات سريعة وقوية مع بقية دول العالم على الصعيد التجاري. دون أن ننسى بالطبع المشاعر الانفصالية المتصاعدة ضمن المملكة المتحدة نفسها من جانب إيرلندا الشمالية ومن جهة اسكتلندا. فكلا الإقليمين صوت لمصلحة بقاء بلده في الاتحاد الأوروبي، وهما يستندان إلى مرجعية ديمقراطية، تماما كما تستند ماي نفسها إلى مرجعية الاستفتاء الوطني الذي شمل جميع أقاليم المملكة وأيد الخروج. ولأن الأمر كذلك فهي ترفض بقوة بل بشراسة أي مطلب لها بالدعوة لاستفتاء جديد يحسم الأمر نهائيا. المصيبة الراهنة على الساحة البريطانية، أن تيريزا ماي هي الوحيدة التي يمكنها أن تدعو لاستفتاء جديد. وهذه الدعوة تبدو كل يوم ضرورية. والسبب واضح، يستند إلى هذه المعادلة. إذا كان ممثلو الشعب البريطاني في مجلس العموم سيفشلون في الموافقة على اتفاق "بريكست" الوحيد، فإن من حق الشعب نفسه أن يحسم المعركة. وفشل نواب "العموم" وارد جدا، بعد أن أعلن عشرات النواب أنهم لا يقبلون الاتفاق، بمن فيهم من يؤيد البقاء في الاتحاد الأوروبي ومن يحارب من أجل الخروج منه بأي ثمن. لا يبدو "على الأقل الآن" أن ماي ستحظى بالموافقة البرلمانية المطلوبة، ما سيؤدي فورا إلى صراع مشابه لذاك الذي يجري على ساحة حزب المحافظين، ولكن ساحته ستكون الوطن كاملا. لا معنى للتمسك البائس بنتيجة استفتاء قسمت البلاد، ولم تقدم حلا للخروج البريطاني. والبؤس هنا يستند إلى أن الديمقراطية التي تدافع عنها ماي جامدة، ولا يبدو أنها تعترف بحقيقة أنك إذا لم تغير رأيك فأنت غير ديمقراطي. أمام هذه الفوضى السياسية التي وصلت بالفعل إلى مستوى "أزمة السويس" التاريخية الشهيرة، لا يحسم الأمور إلا الشعوب. وفي الحالة البريطانية سيكون هذا عبر انتخابات عاملة، أو استفتاء جديد باعتباره الحل الأخير المتاح. أولئك الذين يؤيدون خروج بلادهم بلا اتفاق، لا يعرفون حقا فداحة تبعات ذلك. تكفي الإشارة إلى الانعكاسات المرعبة على التعاون الأمني الحالي والوصول السريع إلى الدواء الأوروبي، وانسياب دخول آلاف الشاحنات يوميا إلى المملكة المتحدة، وغير ذلك من اضطراب في وتيرة الحياة نفسها. التطرف المبني على التعصب أو الجهل، ليس أقل من قنبلة "نووية" تستهدف مجتمعا كاملا. المصيبة الأكبر أنها تستهدف مجتمعا راشدا، أو هكذا يبدو حاليا.