مرحبا بألم
مرحبا بأمل
بضع أيام تفصلنا عن رمضان جعله الله مفتاح فرج قريب،
خلال اقل من أسبوع تعرضت مدن يمنية لسيول عاتية عدن، صنعاء ومأرب، هذه الكوارث تعيد التساؤل وإعادة التأكيد على المفقود اليمني “الدولة” الجامعة لليمنين لا دولة الفئات، دولة المؤسسات لا دولة النعرات والعصبيات، دولة الرعاية والخدمات لا دولة الجبايات والشعارات…
هذا الكلام ينطبق على عدة دول لم تستوعب بعد الدرس العصيب في ظل غياب مؤسسات الدولة والسلم المجتمعي… ولا حياة لمن تنادي… سوى الانتظار،
ما جعلنا اكتب هذه السطور ما حدث من تهاوي في أسعار العقود الآجلة للنفط و تحديدا لنفط غرب تكساس، وتساؤلا من زملاء عن الموضوع، اسعى لاختصار الامر، ببعض المعطيات التي سيترتب عليها فهمنا المشترك للموضوع:
هناك عدة أنواع من النفط الخام،
هذه الحالة تكررت في مطلع العقد الأخير من القرن العشرين تقريبا بين عامي 1990، 1991 ولكن ليست بهذه الحدة…
تسعير النفط يعتمد في الأساس على معطيات كمثل أي سلعة رغم انه سلعة استراتيجية ويتأثر تحديدا ب: (العرض والطلب، قدرة استيعاب المخزون، أوبك، الاستثمارات وأيضا تكاليف الاستخراج لشركات الطاقة)
لا يباع النفط بالبرميل وانما البرميل وحدة قياس مقدارها 159 لتر تقريبا لكل برميل،
تتأثر أسعار الوقود مثل البنزين بشكل غير مباشر بأسعار النفط الخام الا ان هذا لا يعني انخفاضها المباشر وعلى المدى القصير لان البنزين مادة مصنعة وليست خام اولي أي ان مصانع انتاجها قد اشترت النفط مسبقا وليست الآن وهي تضيف تكاليف مواد أخرى بالإضافة الى تكاليف الإنتاج وغيرها من التكاليف.
توقعات الانهيار في بورصة العقود النفطية متوقع لها منذ بادية ابريل، الا انه في المقابل لم يستمع احد واحد الأسباب … لان
شركات استخراج النفط لا يمكنها التوقف عن الإنتاج، فإعادة تشغيل معداتها تكلفتها اعلى بكثير من استمرارها، مثله مثل أي كل صناعات الاستخراج وإنتاج الخام توقف آلاتها ليوم واحد يعرضها لخسائر كارثية عند إعادة التشغيل قد يساوي تكاليف شهور..
جزء من تحديد الأسعار يتم عبر ما يعرف بالعقود الآجلة او المحالة “كونتاغو Contango” وهذا يتم من قبل أيضا مستثمرين في سوق النفط ، حيث يتم التعاقد على الطلب مقدما للاستلام في المستقبل لتجنب تكاليف التخزين ، وكذا الحصول على افضل سعر بدلا من التضارب في السعر عند الطلب فعليا، وهذا يتم في كل أسواق المواد الخام تقريبا ومنها المعادن.
الطلب العالمي لما قبل ازمة كورونا وصل الى 100 مليون برميل يوميا، بعد الازمة تهاوى الى الثلث او اعلى قليلا في ظل توقف المصانع ووسائل النقل، تخيل ان يحجز أكثر من (مليار انسان) في مساكنهم، تخيل انت فقط ان أكبر 3 مستهلكي نفط بالترتيب أمريكا والاتحاد الأوربي والصين وهم وحدهم يستهلكون تقريبا بين 41 مليون برميل الى 48 مليون برميل وهم الدول التي ضربتها الكورونا بقسوة، مما شكل صدمة لعالم الصناعة العالمي،
كل التقديرات التي وضعت في احتواء كورونا من الحكومات في اقل من أسابيع لم تتحقق، وكلما سعوا لأنهاء الحجر تزايدت معدلات الإصابة، بل ان احدى التقارير تشير ان هناك اعدادا أكبر من المصابين وهم الناقلون الخارقون لا تظهر عليهم اعراض الكورونا مطلقا لوجود قدرة في اجسامهم لتحصنهم الا انها لا تحصن غيرهم من انتقال العدوى إليهم.
والآن بناء على ما سبق ما حدث كان امرا متوقعا كما ذكرت سابقا، و في ظل عدم عودة الاقتصاد، دعنا نفترض التالي :
إن كنت انت احد الذين اشتروا عقودا آجلة وحان الاستلام الآن (عقود مايو) والتي يعني ان تبدأ في استقبال النفط الى ناقلاتك او يتم نقل النفط الى مخازنك، انت في المقابل لديك عقود مثلا بعشرين الف طن، وسعة المخزون في ناقلاتك وفي مخازنك نفترض 10 الف طن أيضا ، انت بعت منها فقط 3 الف طن ، بقي في سعة مخازنك 3 الف طن، يمكنك قبول 3 الف لتخزينها في و3 لأنها ستباع ، يبقى معك 14 الف طن لا يمكنك استلامها، بالتالي عليك التخلص منها ، يعني استلامك لها ان عليك انشاء مخازن لها ، او تحمل أعباء وضعها في الناقلات وسط البحر او في الميناء، اذن تبدأ في عرضها لتخفيف الخسائر، المشترون مشبعون أساسا حيث والمخازن لديهم مكتفية، تبدأ في عرضها عليهم باقل تكلفة، يزيد التفاوض الى ان تعرض عليهم تحمل نقلها اليهم حيثما كانوا أي انك تبيعها مجانا وفوق ذلك تتحمل أعباء النقل وتكاليف الميناء أيضا، هذا ببساطة ما حدث،
بمثال آخر للتوضيح،
لو انك مزارع انتجت هذا العام مثلا طن من الطماطم، وجاء موسم الحصاد، لتعرف ان السوق لا يتحمل اكثر من 100 كليو فقط من المنتج، عندها ستبحث عن سوق آخر، لتعرف ان جميع الأسواق التي حولك مكتفية من الطماطم خاصة وان مصانع الكتشب أغلقت وهي اكثر مستهلك لمنتجك، عندها ستبدأ في عرض الطماطم في السوق على الجميع (الساعة بخمسة جنيه والحسابة بتحسب)، لا احد يشتري (الساعة ببلاش) لا احد يشتري ( الساعة ببلاش والتوصيل علينا) فجأة يأتي شخص للشراء الا انك تكتشف انه يكتفي بكيلو واحد !!! …
ومن الأسباب التي دفعت أيضا للوصول الى هذا النقطة ” تعند الساسة” حرب النفط التي اغرقت السوق بين السعودية وروسيا … في ظل تفشي كورونا ، وعندما اتفقوا لم يكن مقدار الخفض بنفس مقدار انخفاض الطلب، ليس فقط بسببهما بل أيضا بسبب بقية الدول المنتجة التي لم تسهم في خفض انتاجها بمقدار يصل الى مستوى الطلب الحالي وعلى رأس القائمة أمريكا بالتأكيد وهي المنتج الأكبر عالميا الآن.
عموما …
لا يعني هذا نهاية العالم ، ولا انهيار العملات، ولا قيام الساعة، الا ان استمراره يعني انهيار منظومة الاقتصاد العالمي ومنها حدوث الكساد Depression ، طبعا الكساد اشد واصعب من الركود Stagnation،انه امتناع الناس عن الشراء، وتوجههم للتكنيز بدلا من الانفاق والاستثمار، حدوث هذا يعني ان البطالة تدق الأبواب والكثير الكثير سيفقدون مصادر دخلهم ، لذا تحاول كل الحكومات ضخ النقد للموظفين لاستمرار الانفاق،
يعني الانفاق استمرار الإنتاج ولو بصورة غير كاملة أي استمرار الوظائف.
باختصار الامر الذي يحدث في سوق النفط مؤشر على حالة الاقتصاد العالمي، وحالة الحرب غير الاعتيادية التي يواجها البشر، ورغم هذه الحرب الا ان الساسة لم يعوا بعد قدر الازمة، ولا مقدار الكارثة، انه تعنت “فرعون” لم يعقل الا بعد فوات الأوان، عندما صار هو من يغرق، رغم كل الذي عانه شعبه من أزمات الجراد والقمل والدم الا انه ظل معاندا …
الامر يتكرر مع كل “الفراعنة” في القرن 21 .
احبتي في النتيجة،
نشعر اننا تعبنا،
نعم وندرك جهلنا لنوقف هذا الحزن الألم، والعجز …
ونظل نبحث عن بصيص أمل… وبإذن الله نجده في نهاية النفق المظلم….
دمتم بخير
محبتي الدائمة
#اصلح_الله_بالكم
احمد مبارك بشير
21/4/2020