تناطح تكنولوجي

لن تواجه «أنت غروب» التي يملكها الملياردير الصيني جاك ما، مشكلة في جمع مبلغ 30 مليار دولار التي تسعى إليها في هذا الاكتتاب الضخم. فقلة من المستثمرين فقط هي من ستفوّت فرصة شراء أسهم في شركة تابعة لمالك تطبيق «إي باي» الفائق الذي يوفر إمكانية الوصول إلى كل شيء بدءاً من التأمين والأموال وانتهاءً بالقروض وحتى محال البقالة. بالنسبة للمؤسسات الأميركية، من المرجح أن يلقي إغراء شركات «يونيكورن» – الشركات التي يتخطى رأسمالها المليار دولار- عالية القيمة في العالم بظلاله على التهديد باتخاذ دونالد ترمب المزيد من الإجراءات ضد الشركات الصينية، حيث أصدر الرئيس الأميركي بالفعل أوامر تنفيذية تستهدف تطبيق «وي تشات» التابعة لشركة «تنسانت هولدنغز» التي تعد أكبر منافس محلي لشركة «إي باي».
تمثل مبيعات الصين نحو 95 % من عائدات مجموعة «أنت». ومع ذلك، من المتوقع أن يصبح التوسع في الخارج أكثر أهمية للشركة، نظراً لأن شركة «أنت» كبيرة بالفعل وتهيمن على السوق الصينية المحلية لدرجة أن نموها سيتباطأ لا محالة. كما أن المجموعة تواجه منافسة شرسة في الصين، ليس من «وي تشات» وغيرها من منافسي التكنولوجيا فحسب، بل أيضاً من الشركات المالية الأجنبية مثل «أميركان إكسبريس» التي باتت في يونيو (حزيران) أول شبكة مدفوعات خارجية يُسمح لها ببدء التعاملات بالعملة المحلية. قد يأتي التطبيق القاتل الحقيقي من بكين، التي تختبر عملة اليوان الرقمي الذي سيوفر جميع وسائل الراحة للأموال الإلكترونية.
قد تؤثر التشريعات الأكثر صرامة أيضاً على قدرة «مجموعة أنت» على النمو في الصين. وبالنسبة لجميع محاولات الشركة تغيير علامتها التجارية كشركة تكنولوجية (صناعة خاضعة للتنظيم)، فإنها لا تزال تبدو أشبه بأعمال خدمات مالية، حسبما كتب زميلاي شولي رين وأنجاني تريفيدي. فصندوق سوق المال «ياو باو» الخاص بالشركة، والذي نما ليصبح الأكبر في العالم، قد جرى بالفعل قص أجنحته من هيئات الرقابة المالية في بكين.
استناداً إلى كل ما سبق، فقد حددت مجموعة «أنت» التوسع خارج البلاد كأحد الاستخدامات الأربعة لعائدات الاكتتاب العام. وتعتزم الشركة تعزيز قدرات السداد الدولية، والاستثمار في التكنولوجيا، وتطوير المزيد من خدمات الدفع الرقمية، والتمويل والحياة اليومية للمستهلكين والتجار والشركاء خارج الصين.
كانت السياحة مفتاحاً لتوسيع نطاق «وي تشات» و«إي باي»، وكانت الصين أكبر مصدر للسياح الأجانب في العالم في عام 2018 وأيضاً أكبر منفق في العالم، مما أدى إلى زيادة قبول تطبيقات الدفع الصينية في المدن الكبرى بدءاً من باريس إلى بانكوك. بعد الاكتتاب العام، تواجه مجموعة «أنت» بيئة متغيرة بشكل كبير، حيث وضعت جائحة «كورونا» صناعة السياحة العالمية في الثلاجة.
لقد كانت الجغرافيا السياسية مشكلة للشركة حتى قبل أن تصل التوترات بين الولايات المتحدة والصين إلى مستويات الحرب الباردة. ففي أوائل عام 2018 ألغت «مجموعة أنت» استحواذها على شركة «موني غرام إنترناشيونال» بعد أن أثارت الولايات المتحدة مخاوف تتعلق بالأمن القومي. كما تراجعت الشركة عن وعدها بتوفير مليون وظيفة في الولايات المتحدة، حيث ألقى جاك ما باللائمة على الخلاف التجاري بين البلدين.
يخصص ملف الاكتتاب العام الأولي ثلاث صفحات للمخاطر الجيوسياسية تركز معظمها على الولايات المتحدة. وعلى عكس مساهمها مجموعة «علي بابا غروب هولدنغ»، فقد قررت مجموعة «أنت» عدم بيع الأسهم في نيويورك واختارت بدلاً من ذلك إدراجاً مزدوجاً في هونغ كونغ وشنغهاي. ومع ذلك، ربما لا تزال عُرضة لعقوبات أميركية في المستقبل.
منذ انهيار صفقة «موني غرام»، ركزت الشركة بشكل أساسي على الفناء الخلفي الآسيوي. كان التقدم يواجه عقبات حتى هذه النقطة، إذ حظرت الهند عشرات التطبيقات الصينية في يونيو بعد اشتباك حدودي، وجرى حظر «متصفح يو سي» التابع لشركة «علي بابا»، على الرغم من أن شركة «بايتم» التي تملك استثمارات في مجموعة «أنت» قد أفلتت من العقوبة.
توفر منطقة جنوب شرقي آسيا حيث تنخفض نسبياً مدفوعات الهاتف المحمول وبطاقات الائتمان، المزيد من الفرص على الرغم من تزايد المنافسة المحلية من شركات مثل «غراب» في سنغافورة و«جيوجيك» في إندونيسيا. وتخلق الأعمال سريعة النمو التي تتخطى أعداد عملائها المليار والتي تحتل مكاناً في طليعة التكنولوجيا المالية حالة من الإثارة المفهومة، وهو ما يتعين على المستثمرين العمل على تخفيف وقعه وذلك بإدراك أن مستقبل «مجموعة أنت» قد يكون أصعب بكثير من ماضيها.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»