مصانع طحن الاسمنت..مشاريع العصر
د/ حسين الملعسي
■ صناعة الإسمنت هي عملية تحويل المواد الخام مثل الحجر الجيري والطين إلى مادة بناء قوية تستخدم في تشي...
لدينا أكثر من طريقة لتقدير ثروة الأمم. وهناك اليوم جداول خاصة تمنحنا معلومات تفصيلية عن أين تقف أي دولة من دول العالم في سلم الثروة. ومن خلال هذه الجداول بإمكاننا معرفة ليس دخل الأمم والدول بل حتى دخل الأفراد. ويعد تقدير قيمة الناتج القومي الإجمالي لبلد ما أكثر الأساليب تداولا. بيد أن الحساب المتعلق بالدخل القومي الإجمالي له إيجابياته وسلبياته. فمن ناحية، إنه يفلح في تقدير مساهمة كل فرد وحصته في الإنتاج وقيمتها الشرائية بسعر العملة في حينه. وكذلك يوزع الدخل على عدد المواطنين في البلد بطريقة يسيرة من خلال تقسيم القيمة الشرائية للإنتاج الوطني العام على عدد السكان. إلا أن الاستناد إلى الأرقام التي نحصل عليها من خلال قيمة الناتج القومي وتسلسل الدول في جدول الثراء العالمي له سلبياته. ولنأخذ الولايات المتحدة كمثال. بلغت قيمة الناتج القومي الإجمالي في هذا البلد في عام 2017 أكثر من 19 تريليون دولار. حين توزيع المبلغ الهائل هذا على عدد السكان في أمريكا، يصبح نصيب كل فرد نحو 60 ألف دولار في السنة. ولكن توزيع قيمة الإنتاج بهذه الطريقة لا يعني أبدا أن كل فرد يحصل على حصته منه. قيمة الإنتاج القومي شيء وتوزيعه شيء آخر تماما. ولهذا، قد يندهش كثير من القراء إن نقلت لهم آخر نشرة عن الفقر في الولايات المتحدة من مكتب الإحصاء الأمريكي الرسمي، حيث ورد فيها أنه كان هناك أكثر من 45 مليون فقير في أمريكا عام 2017، أي أن نسبة الفقر في هذا البلد ذي الثروة الفاحشة تصل إلى نحو 15 في المائة من السكان. إذا، وجود الفقراء بكثافة وكثرة أو قلة الأغنياء لا يرتبط بصورة مباشرة بقيمة الإنتاج القومي الإجمالي ومتوسط دخل الفرد منه. فكيف لنا أن نعرف من الغني ومن الفقير في عالم تخفق فيه أكثر الأساليب نجاعة من الناحية الاقتصادية لتقدير ثروة الأمم والأفراد؟ كي نستطيع إلقاء نظرة متفحصة لحالة الثراء والعوز في العالم خارج نطاق الدخل أو الإنتاج الوطني الإجمالي تفتقت قريحة إخصائية سويدية من خلال إنشاء منظمة غير ربحية تستند إلى الفنون لمعرفة من الثري ومن المعوز في عالم اليوم. في الصفحة التي أنشأتها على الشبكة الأخطبوطية، تنشر الإخصائية هذه آلاف الصور لـ 300 عائلة من 50 بلدا في العالم. الصور هذه ثنائية، بمعنى أن صورة واحدة تدلل على أن الفرد الذي تمثله ثري ومرفه وهناك صورة أخرى تدلل على أن الفرد الذي فيها فقير ومعوز. وطارت شهرتها وشهرة موقعها ومؤسستها في الآفاق وتلقفت ما توصلت إليه من استنتاجات الصحافة العالمية وأشبعت فرضياتها ونظرياتها نقاشا. وقد أطلقت الإخصائية السويدية عبارة Dollar Street (شارع الدولار) على موقعها https://www.gapminder.org/dollar-street/about?lang=en والموقع له أهداف تربوية واجتماعية وأخلاقية وبدأ يأخذ مكانته التي يستحقها بجدارة في بعض المدارس في السويد وخارج السويد لتدريب الطلبة والتلاميذ وتوسيع مداركهم عن العالم حولهم من خلال الصورة والتعليق عليها. ويكتسب قراء الموقع وتلاميذ المدارس من خلال اطلاعهم على الموقع إحساسا واقعيا وملموسا من خلال الصورة عن حياة الناس من ثقافات أخرى خارج ما يؤطره لنا الإعلام وخارج الأطر التنميطية التي يقدمها لنا حول المختلف عنا. ومن ثم ـــ وهذا بيت القصيد بالنسبة لرسالتنا لهذا الأسبوع ـــ يمنحنا الموقع من خلال الصورة الفرصة كي نقدر ونخمن موقعنا من الإعراب في عالم تتقاذفه موجات الثراء الفاحش ومعها الفقر المدقع. وإن تفحصنا موقع شارع الدولار تمكنا من حساب معدل الدخل من حيث الثراء والعوز من خلال الصورة، وما تحويه من أغراض وأشياء وحاجيات صار بمقدورنا القول إن كان الناس الذين فيها ينعمون بالرخاء أم أنهم واقعون تحت وطأة الفقر والحرمان. وكل صورة تؤشر إلى البلد الذي تسكنه العائلة أو الناس الذين هم فيها. ومن أجل التوثيق والمصداقية يمنح الموقع أسماء الأشخاص وأعمارهم وصورا كثيرة للبيت الذي يسكنونه. وسأعرج في الرسالة القادمة على الأشخاص والأشياء والحاجيات والأغراض التي تدلل على إن كان ساكنو البيت يقعون في خانة المعوزين والفقراء أم الأثرياء والمسرفين. وأنا أطالع الموقع، تذكرت علوم تحليل الخطاب ومنها تحليل الصور، حيث يظهر لنا علماء الخطاب أن الصورة تنطق وتتحدث إلينا كما يفعل النص الكتابي أو الشفاهي، وقد تكون أفضل من ألف كلمة.