مصانع طحن الاسمنت..مشاريع العصر
د/ حسين الملعسي
■ صناعة الإسمنت هي عملية تحويل المواد الخام مثل الحجر الجيري والطين إلى مادة بناء قوية تستخدم في تشي...
في النادر أن يلحظ الباحث أو المتتبع للدراسات الأكاديمية في حقل الإعلام والصحافة أي استحسان لتغطية وسائل الإعلام لقضية أو مسألة أو صراع فيه استقطاب أو تباين في المواقف. وأغلب النظريات التي تحاول تفسير ظاهرة الإعلام والصحافة في حياتنا المعاصرة مبنية على تحيز الخطاب الإعلامي وبعده عن قول الحقيقة كما هي. وتحاول هذه النظريات الولوج في "كيف" و"لماذا" ينقل لنا الخطاب الإعلامي الأحداث كما يراها أصحاب المهنة. وأكاد أجزم أنه ليس هناك ضمن العلوم بأصنافها مادة هي مثار النقد والهجوم والتجريح من قبل الباحثين والعلماء في أروقة المعاهد والجامعات ومراكز الأبحاث مثل الإعلام والصحافة. والنقد في أغلبه لاذع لأنه يظهر استنادا إلى معطيات وبيانات وتحاليل ومناهج ونظريات علمية رصينة أننا صرنا وجها لوجه أمام إعلام تغيب فيه الحقيقة وتهيمن عليه أطر خطابية غايتها الإقناع وتغيير المواقف وتزيين وتبجيل وجهة نظر على حساب وجهة نظر أخرى. وإن نظرنا إلى أي نظرية في حقل الإعلام والصحافة لرأيناها تحاول سبر أغوار التخصص هذا وتبيان ما فيه من سلبيات وأنه عكس ما تروج له المهنة وممارسوها. وهذا ما جعل من البحث العلمي والأكاديمي في عالم الإعلام والصحافة بمنزلة غريم للمهنة والممارسة، عكس العلوم الأخرى، حيث هناك علاقة وطيدة بين أغلب التخصصات والمناهج الجامعية والممارسة على أرض الواقع. والتباين هذا في الموقف أحدث شرخا أو بالأحرى هوة من الصعوبة بمكان ردمها. والتجربة والمعايشة الحية في أروقة مؤسسات إعلامية رئيسة ذات صيت تظهر ما يشبه العداء بين علماء وأساتذة الإعلام من جهة وبين المهنة وممارسيها من جهة أخرى. اسأل أي صحافي في أي مؤسسة عن مقال أو بحث علمي قرأه عن الصحافة والإعلام، لترى أنه لم يطلع على أي ورقة في هذا المجال. واسأل أي صحافي عن اسم مجلة علمية وأكاديمية تعنى بشؤون الإعلام والصحافة، لقال لك إنه لا يعرف. ولماذا نذهب بعيدا. أنا أكاديمي أحلل الخطاب خصوصا الإعلامي منه. وهذا المقال الخامس لي ضمن سلسلة من المقالات حول الإعلام. هل لاحظ أي قارئ أي إشادة من قبلي لممارسي "مهنة الأتعاب" أو "السلطة الرابعة،" كما يحلو للبعض تسميتها؟ أمضيت وقتا طويلا في أروقة هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" مرة سألت واحدا من محرريها الكبار: "لماذا لا تعيرون أي أهمية لما يكتبه الأكاديميون عنكم؟" جوابه وقع عليّ مثل الصاعقة. قال: "أنتم دائما تنتقدون وتهاجمون وتظهرون سلبياتنا. قد يكون هذا صحيحا، ولكن لا تقدمون لنا البدائل أو الخيارات التي تساعدنا على التخلص من سلبياتنا". وأضاف: "نحن نكتب قصة خبرية لا يتجاوز عدد كلماتها 300 وتأتون أنتم وتحللونها في نحو عشرة آلاف كلمة بلغة معقدة يصعب على غير الأكاديميين فك طلاسمها". هناك كثير من الصحة فيما قاله المحرر. كتاباتنا الأكاديمية واللغة التي نستخدمها موجهان في الأساس إلى أقراننا الأكاديميين. ولا أظن أي واحد منا في الحقل الأكاديمي يأخذ الإعلام والصحافة كممارسة ومهنة بعين الاعتبار عند قيامنا بالأبحاث والدراسات التي تتناول الإعلام والصحافة. هدفنا الترقية في سلم الألقاب الأكاديمية ومن ثم تلبية الشروط التي تفرضها المؤسسات والجامعات التي نعمل فيها حيث ترى في النشر العلمي وفي دوريات رصينة ومحكمة تعزيزا لمكانتها ودرجتها بين الجامعات في العالم وكذلك تأهيلها للحصول على المنح المالية من الدولة. ولكن يبقى السؤال إن كان ممارسو الإعلام والصحافة ومؤسساتهم على استعداد ليس لتقبل النقد بل للنظر بإيجابية إلى "البدائل والخيارات" التي يقدمها لهم الباحثون؟ بعد أن أمضيت سنتين ونيفا وأنا أبحث في التغطية الإخبارية لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، وبعد وجودي في أروقتها مدة طويلة، نشرت كتابا وضعت فيه "البدائل والخيارات" حول سلبيات الهيئة في تغطية الصراع الفلسطيني ـــ الإسرائيلي. أرسلت نسخا من الكتاب إلى محرري الهيئة ومن ثم ملخصا بأهم "البدائل"، إلا أنه لم يؤخذ بها. قال أحد المحررين لي: "إنك تحديتنا في لغتنا وأطرنا الخطابية وقدمت لنا بدائل وخيارات جميلة ونزيهة ولكنك بحثت في مسألة حساسة جدا لا أظن أنه بإمكان أي محرر المساس بها". أي حدث يتحول إلى قضية أو صراع أو مسألة، يصبح حساسا جدا. وهذا شأن كل الأحداث المهمة في العالم.