مصانع طحن الاسمنت..مشاريع العصر
د/ حسين الملعسي
■ صناعة الإسمنت هي عملية تحويل المواد الخام مثل الحجر الجيري والطين إلى مادة بناء قوية تستخدم في تشي...
ربما لم تشهد الدنيا مجتمعا يتمتع فيه أفراده بالرخاء والمساواة والأمن والسلام مثل المجتمع السويدي.
التجربة السويدية في بناء دولة الرخاء التي يضمحل فيها الفقر والعوز ويشعر أغلب الناس فيها أنهم متساوون في الحقوق والواجبات تجربة فريدة من نوعها. وفي الحقيقة تم نقل هذه التجربة إلى بقية الدول الإسكندنافية ودول أوروبا الغربية بصورة عامة.
فبعد الدمار الهائل والمريع الذي ألحقته الحرب العالمية الثانية بأوروبا، برز لدينا في نحو الـ 60 عاما الماضية نموذج اقتصادي غايته رخاء الفرد وتمتعه مجانا بأغلب الخدمات العامة من صحة وتربية وتعليم وغيره.
ما يحسب للسويد أنها تجنبت الكوارث التي لحقت بالدول الأوروبية وشقيقاتها الإسكندنافية. السويد لم تشهد حربا أو معارك داخلية أو خارجية لقرنين من الزمن وتجنبت الدخول في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وكانت الدولة الأوروبية الوحيدة التي لم تصلها شظاياهما المدمرة.
وهذا ما منحها فرصة أن تشيد بنى تحتية في أغلب المضامير الاقتصادية والصناعية والتكنولوجية والاجتماعية والصحية والتربوية والخدمات العامة تفوق ما لدى أكثر دول العالم تقدما ورقيا.
إذا لماذا ومن ثم فجاءة تطلب السويد من مواطنيها أن يعدوا للحرب عدتها؟ ما موقف سكان السويد التسعة ملايين من طلب الحكومة؟ وكيف أبلغت الحكومة السويديين أن عليهم الاستعداد لحرب محتملة أو أزمة يكون لوقعها وقع الحرب أو أكثر؟
في مستهل هذا الشهر أرسلت الحكومة كتيبا من 20 صفحة من القطع الكبير إلى كل منزل من منازل السويد البالغة 4.8 مليون منزل.
والمترجمون في السويد منكبون حاليا على ترجمة الكتيب إلى 13 لغة أجنبية ينطقها نحو مليون مواطن من أصول أجنبية في السويد. السويد تعترف بـ 13 لغة أجنبية وفي مقدمتها العربية والمواطنون الأجانب الذي ينطقون هذه اللغات لهم الحق في طلب مترجمين عند الحاجة وبالمجان وفي الشؤون الرسمية كافة.
وتم إعداد الكتيب من قبل هيئة الطوارئ السويدية. وتقول الحكومة في مقدمة الكتيب إن غايتها أن يكون المواطن في السويد على أتم الاستعداد لأن الأزمات ومنها الحرب قد تقع من دون سابق إنذار في عالم يكتنفه الغموض والريبة وعدم اليقين مما يخبئه الغد.
وقد أثار الكتيب الذي فاجأ ملايين السويديين وهم يتلقفونه من صناديق بريدهم وأثار موجة من البلبلة والاضطراب لدى كثيرين وتغطية إعلامية واسعة. وفي المقدمة هناك إشارة إلى ما تواجهه السويد من تهديد لأمنها واستقلالها ولكن الكتيب لا يفصح عن مصدر التهديد.
وقد أعادت السويد فرض التجنيد الإجباري العام الماضي وأجرت أضخم مناورات عسكرية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بعد الاضطرابات التي وقعت في دول البلطيق القريبة منها.
وتريد السويد من خلال هذه الكتيب أن يكون تحمل وزر الحرب أو أي أزمة كبيرة أخرى في البلد عملا جماعيا ومسؤولية يؤديها المواطنون طواعية.
وكي يعرف كل مواطن ما عليه القيام به جرى إرسال التعليمات التي ترد بشكل نقاط عملية واضحة في الكتيب إلى المنازل في البلد كافة.
إن وقع البلد في حرب أو صار تحت تهديد، فإن مساعدة المواطنين بعضهم بعضا هي أكبر ضمانة في طريق الصمود والنجاح، حسب النداء الذي توجهه الحكومة للمواطنين في الكتيب.
وتريد الدولة أن يكون كل مواطن على قدم وساق حين وقوع الأزمة أو الحرب إلى درجة يعرف كل واحد منهم العمل الذي عليه أن يؤديه ضمن سكنه ومحلته ومنطقته ومدينته ومكان عمله.
والكتيب أغلبه جرد للنقاط الأساسية التي على كل مواطن تنفيذها في حالة الحرب، وماذا يجب على المواطن القيام به لو حدث أمر أدى إلى اضطراب في أسلوب الحياة اليومية.
هناك تعليمات حول كيفية الحصول على الوقود وماذا يجب العمل في حالة فقدانه. وهناك تعليمات حول طريقة خزن الغذاء والأطعمة وأي نوع منها. وهناك تعليمات حول كيفية التصرف إذا انقطع الماء وكيفية استخدام الحمام والمرافق الصحية في المنزل. وهناك إرشادات حول طريقة استخدام بطاقات الائتمان والنقود وزيارة المستشفيات والحصول على الأدوية.
ويشرح الكتيب للمواطن دور القوات المسلحة في حالة نشوب حرب وما يمكن أن يقدمه المواطن لمساعدة جيش بلده.
وبعض الصفحات هي بمنزلة استمارات فيها مربعات على المواطن التعامل معها خطيا كي يعرف دوره ومدى استعداده لتنفيذ المسؤوليات الملقاة على عاتقه عند اشتداد الأزمات.
الكتيب بصفحاته الـ 20 دسم ومكثف وفيه تطلب الحكومة من المواطنين الاحتفاظ به وقراءته والرجوع إليه إن وقعت الواقعة.
لا علم لي بالأسباب الحقيقية التي جعلت الحكومة السويدية تقدم على هذا الإجراء الذي أدخل البلد المسالم هذا في وضع يشبه الطوارئ غير المعلنة رسميا.
وأكثر ما جذبني في الكتيب هي صفحة واحدة من صفحاته الـ 20 التي فيها تشرح الحكومة للمواطن كيفية التمييز بين المزيف والصحيح من المعلومات والأخبار التي يتلقاها المواطن عند الأزمات.
ورأيت أن أغلب المعايير التي يذكرها الكتيب لفرز الخبر الصحيح من المزيف قد جرى التطرق إليها على صفحات هذا العمود.