اكتب كي لا تنسى لسان الضاد

عنوان مقال اليوم هو اقتباس ببعض التصرف لتسمية مقرر تعليمي حديث في السويد يدرس تقريبا في أغلب المراحل الدراسية. اسم المقرر بالإنجليزية هو Write to Learn أي (اكتب كي تتعلم). وصار هذا المقرر اليوم هدفا للأبحاث الجامعية في التربية والتعليم ومادة للأبحاث العلمية في حقل التربية والتعليم. وقد ذكرته بعجالة في الأسبوع الماضي وأنا أتحدث عن الثورة التي أحدثتها التقنية الخوارزمية في التعليم في السويد وكيف أن الدولة تجهز كل طالب وطالبة بجهاز حاسوب خاص فيه برمجيات خاصة لتعزيز وتطوير وتحديث العملية التربوية والتعليمية في البلد. وأنا أتابع مقرر (اكتب كي تتعلم) عن كثب ونتائجه الباهرة في الحفاظ على مكانة اللغة السويدية وتأثيره الإيجابي في مساعدة الطلبة تملك ناصية مهارات الكتابة، قلت في نفسي دعني أنقل التجربة لقرائي من العرب عسى ولعل تتم الاستفادة منها ضمن واقع التربية والتعليم في دولهم. لقد جعلت السويد إتقان اللغة الوطنية وعلى الخصوص المهارات الخاصة بالكتابة السليمة فيها شرطا أساسيا للقبول في الجامعات والمعاهد العالية فيها. يؤمن السويديون أن الحفاظ على لغتهم الوطنية يبدأ من المدرسة وينتهي في المدرسة. وهكذا صار تدريس الكتابة باللغة الوطنية واحدا من المقومات الأساسية في التعليم في السويد. وهنا لا يتعلق الأمر بدرس أو درسين في قواعد اللغة في الأسبوع، بل ممارسة الكتابة فيها بشكل يومي تقريبا ومن خلالها تعلم أساليب الحوار والنقاش وعرض الأفكار والنقد والمحاججة والتلخيص وكتابة الملاحظات والتقارير العلمية. ويرتكز مقرر "اكتب كي تتعلم" على تكنولوجيا الاتصال والمعلومات (ICT ) لمساعدة الطلبة منذ المرحلة الابتدائية استخدام الوسائط الخوارزمية (الرقمية) للكتابة. وضمن هذا المقرر، يتواصل الطلبة مع أقرانهم تحت إشراف أساتذتهم الذين يقدمون النصائح والإرشاد والتصحيح. ولا تقتصر الكتابة على درس اللغة وحسب، بل الطلبة يتناولون شؤون أغلب المواد ومنها الرياضيات، من خلال كتابة النصوص. وقد أظهر البحث العلمي حول الممارسة التعليمية الجديدة "اكتب كي تتعلم" حدوث تحسن في أداء الطلبة في الامتحانات العامة على مستوى البلد تصل نسبته إلى 20 في المائة ولا سيما في الرياضيات والقراءة والكتابة. وكانت نسبة التحسن هذه، التي تعد مهمة جدا في التربية والتعليم، مناسبة انشراح وفرح للمؤسسات التربوية في السويد لأن النتيجة قللت من الفجوة بين الأذكياء من الطلبة الذين يحققون نتائج عالية وبين الذين يخفقون في الحصول عليها. وإن علمنا أن السويد تمارس وتطبق مبدأ المساواة بجدية، ومنها خفض الفروقات بين المستويات المختلفة ليس فقط في مستوى المعيشة، بل في كل مضامير الحياة تقريبا، فإن النتائج هذه جعلت الدولة تزيد من اهتمامها واستثمارها في مقرر الكتابة. وقد تم بناء المقرر على الأسس والأهداف العامة للمنهج الوطني السويدي في التربية والتعليم الذي يدعو إلى جعل عملية اكتساب مهارات الكتابة الفعالة والنشر والمراجعة من قبل النظراء وتقديم تغذية استرجاعية من قبل الأساتذة والمعلمين من أولويات التعليم. وتتضمن العناصر المساندة للمقرر التحفيز والفهم المسبق لما هو مطلوب وأصناف الكتابة واستراتيجياتها. وقد حضرت دروسا نموذجية من هذا القبيل واستفدت منها كثيرا وشرعت في تطبيقها لتدريس الكتابة لوسائل الإعلام في الإنجليزية والعربية. يبدأ الدرس بتقديم الأهداف المتوخاة ضمن خطة تأخذ مستوى وقابليات الطلبة في عين الاعتبار وما قد يحتاجون إليه من المعرفة لتنفيذ الخطة وأهدافها. ومن الأهمية في مكان أن يتيقن الأستاذ أن الطلبة فهموا الخطة وأهدافها وما تحتاج إليه لترجمتها كتابة. وبعد تقديم الخطة يبدأ الطلبة بالكتابة والأستاذ يقوم بتغذيتهم بما تحتاج إليه الخطة من وسائل لغوية في الأسلوب والنحو والصرف والمفردات والسياق والأطر اللغوية الأخرى. ويمنح الأستاذ الطلبة نماذج حية من الصنف أو الأسلوب الكتابي (لنقل كتابة عنوان صحافي) كي يكون لهم فهم مسبق لما هو مطلوب منهم إنتاجه في الصف أو ضمن الواجبات البيتية. ويجب منح أهمية قصوى لتقديم نماذج حتى على مستوى المفردات الخاصة بكتابة صنف أسلوبي محدد، إضافة إلى القوالب اللغوية التي يحتاج إليها. ويفضل أن يعمل الطلبة ضمن مجاميع حسب حجم الصف ويتعاونوا لكتابة النصوص المطلوبة منهم ويفضل أن ينحصر دور الأستاذ في الإشراف والتصحيح والإرشاد كي يتعلم الطلبة الاعتماد على أنفسهم عند الكتابة. وهناك برامج حاسوبية خاصة لكيفية التعامل مع المقرر تجعل الطالب يشعر فعلا أن له متلقين يقرأون له وهم أقرانه وأساتذته وأنه سيتلقى تعقيبات منهم بعد نشر أي نص له في الحاسوب. هذا كان ملخصا لمقرر "اكتب كي تتعلم" الذي ذاعت شهرته في السويد. أوردته هنا لحث المسؤولين عن التعليم في الدول العربية استخدام الكتابة بلسان الضاد في المناهج التعليمية من خلال نقل وتوطين التجربة السويدية هذه التي آزرت اللغة الوطنية وزادت من مكانتها.

 

مقالات الكاتب