مصانع طحن الاسمنت..مشاريع العصر
د/ حسين الملعسي
■ صناعة الإسمنت هي عملية تحويل المواد الخام مثل الحجر الجيري والطين إلى مادة بناء قوية تستخدم في تشي...
بين الفينة والأخرى، نقرأ أو نسمع أن الصحيفة الفلانية أقفلت أبوابها بعد تسريح العاملين فيها، أو نقرأ أن الصحيفة الفلانية توقفت عن الصدور بصيغتها الورقية وصارت تستند إلى نشرتها الإلكترونية حصرا. والصحافة العربية، رغم بيئة الاستقطاب الذي تعيش فيه، ليست في منأى عن التغييرات الكبيرة التي طرأت على وسائل الإعلام التقليدية. بصورة عامة الصحافة الغربية تعتمد على ريع الإعلان لتمويل نشاطاتها. بيد أن الإعلان شأنه شأن أي نشاط اقتصادي آخر جرت خلخلته لا بل تمزيق الأسس التي كانت تدير تصريفه وتمويله بعد أن حلت علينا الثورة الخوارزمية بشركاتها الكبيرة. هذه الشركات لها من المتلقين ما لم يكن تخيله في السابق. في بريطانيا، التي تعد معيارا مهما لقياس مدى نجاعة التمويل من خلال الإعلان، كان في إمكان أي صحيفة ورقية الوقوف على قدميها لا بل تحقيق ربح لا بأس به إن وصل معدل توزيعها إلى 200 ألف نسخة في اليوم. المعادلة هذه لم تعد مجزية في بحر الثورة الخوارزمية التي أوجدت لنا شركات إعلام وتواصل لها مئات الملايين من المتلقين. واليوم، قد يكون في إمكان شخص عادي له موقع في إحدى هذه الشركات أو قد أسس موقعا خاصا به أن يجذب من المتلقين أضعاف ما كان يوما ما يعد معيارا لازدهار صحيفة ورقية في بريطانيا. وهكذا تشتت المعلنون وهم يلهثون خلف أكثر المواقع انتشارا وتأثيرا وهاجروا الصحافة الورقية صوب الشركات التي بمرور الزمن صارت تستحوذ على نسبة كبيرة من الريع الذي كان يذهب إلى الصحافة التقليدية. أما الصحافة العربية، فلا أظن أن ريع الإعلان يشكل ركنا مهما من وارداتها، لأنها تقريبا في مجملها صحافة مملوكة، أي تمتلكها الدول وأصحاب رؤوس الأموال. الصحافة الورقية مكلفة ومن ثم صار تأثيرها ووقعها وانتشارها لا يوازي ما تنفقه الدول والمؤسسات وأصحاب رؤوس الأموال في سبيل الحفاظ عليها. وحتى اليوم لم ألحظ أي محاولة جادة في البلدان العربية للحفاظ على الصحافة التقليدية. بالعكس، ما يجري هو أن الدول التي كانت تغدق الأموال على الصحافة أخذت تهجرها. ولكن البديل يبدو ليس صوب تقديم نموذج صحافي مستدام وأفضل. مغادرة أو هجر الصحافة الورقية التقليدية في الدول العربية لم تتم بسلاسة ولم تسبقها أي دراسة أكاديمية رصينة كي تأخذ السلبيات السابقة في عين الاعتبار وتدشن لمرحلة لاحقة تركز على الإيجابيات وفي مقدمتها استقلالية التحرير وحرية الصحافة وموضوعية ونزاهة الرسالة. هل استطاعت أي من الصحف العالمية الرصينة الإفلات من قبضة سيطرة رأس المال بعد ذبول واردات الإعلان؟ وهل في الإمكان تقديم نموذج اقتصادي جديد ومستدام لازدهار الصحافة الرصينة والنزيهة في عالم يتحكم فيه الاستقطاب بكافة أفرعه وأشكاله وأذنابه من الأيديولوجيا والمال والفكر والغلو في المفاهيم والمواقف؟ هناك محاولة جادة من قبل صحيفة جادة قدمت لنا نموذجا جديدا للطريقة التي بواسطتها قد تستطيع الصحافة مقاومة عوادي الزمن الخوارزمي. لقد نجحت في ذلك نجاحا باهرا حتى الآن وأخذت صحف عالمية أخرى تقليدها. وسأركز في مقال الأسبوع المقبل على النموذج الاقتصادي الجديد الذي تحاول فيه الصحافة الغربية الوقوف على قدميها ماليا وماديا مع المحافظة على استقلاليتها ومكانتها في عالم الكتابة النزيهة والموضوعية، العالم الذي صار من الصعوبة بمكان العثور عليه في واقع يتخلخل ويتزلزل مع كل اختراع وجهاز خوارزمي جديد.