مصانع طحن الاسمنت..مشاريع العصر
د/ حسين الملعسي
■ صناعة الإسمنت هي عملية تحويل المواد الخام مثل الحجر الجيري والطين إلى مادة بناء قوية تستخدم في تشي...
في مقال فائت، تطرقت إلى ظاهرة لغوية تبرز أكثر ما تبرز في التقارير والأبحاث التي يكتبها المعنيون بشؤون الاقتصاد. وقلت فيه إن أي تحليل خطابي معمق للغة التي يستخدمها الصحافيون لتغطية أخبار المال والاقتصاد والعملات والسلع، لا بد أن يُظهر تكرارا لمفردات وأطر خطابية يشيع استخدامها في البيانات والكتابات العسكرية.
في رسالة اليوم، سأعرج على اللغة المجازية، التي يلجأ إليها المحللون والباحثون والصحافيون عند الكتابة عن شؤون الاقتصاد.
ما نلاحظه اليوم وجود نبرة من التشاؤم، وعدم إطلاق العنان للتكهنات المتفائلة فيما يخص الأسعار والنمو وتراكم الثروة. وهنا أستشهد بالعبارة المجازية التي استخدمها البنك الدولي في تقريره حول مستقبل الاقتصاد العالمي؛ حيث حذر من أن سماءه تبدو معتمة.
قبل الأزمة المالية التي عصفت بالاقتصاد العالمي عام 2008، والتي لا تزال آثارها محسوسة؛ أي أن العالم، ولا سيما الدول الغنية فيه، يرتعب من تكرارها، كانت أغلب التنبؤات والتوقعات وردية، متفائلة.
وقْع عام 2008 سيظل معنا؛ لأن الأزمة وقعت من دون سابق إنذار. كانت الأزمة إيذانا وبرهانا على فشل مراكز الأبحاث والصحافة ومعهما السياسيون والاقتصاديون؛ لأنه لم يكن هناك من توقع حدوثها. كانت مفاجأة كبرى وأزمة خانقة لم يتوقعها الذين وقعوا في حبالها، وكادت تطيح بالاقتصاد الرأسمالي برمته.
الأزمات، رغم الألم الذي توقعه، هي بمنزلة دروس. والدرس الذي تعلمته مراكز الأبحاث ومعها المختصون في شتى الأنشطة الاقتصادية كانت أسسه واضحة: لا يجوز الركون إلى توقعات وردية كلها تفاؤل.
وظهرت فئتان على مسرح التكهنات والتوقعات للاقتصاد العالمي، ومن الصعب فرز الفئتين. لن يمنحنا اليوم أي مركز للأبحاث والتوقعات صورة متفائلة وحسب عن مستقبل الاقتصاد العالمي مهما كانت المعطيات لديه إيجابية.
الكل يخشى المفاجأة، مثل التي حدثت عام 2008، ومنهم من يولج في التشاؤم، محذرا من أن أزمة عام 2008 في طريقها إلينا وقد تقع عام 2020.
إن المتشائمين ربما يبالغون في التشاؤم، ولكن مع ذلك هناك دلائل وإشارات في الاقتصاد العالمي تنبئ بالسوء.
هناك أكثر من نذير شؤم حول التوقعات المستقبلية في كل حقل من حقول الاقتصاد في العالم، من العملة إلى السلع حتى معدلات النمو والبورصة والدخل القومي الإجمالي.
لماذا كل هذا التشاؤم؟ أظن أن الأسباب واضحة ومحسوسة أيضا. شركة عملاقة تصل قيمتها السوقية إلى تريليون دولار، إذا بها تخسر 400 مليار دولار من قيمتها في غضون فترة وجيزة. ألم يحدث هذا لشركة أبل، عملاق الهواتف الذكية؟
التقلبات المفاجئة صارت خاصية الاقتصاد في عالم اليوم، وسببا لعدم الاستقرار والاطمئنان لحالة السوق. هناك خشية من المستقبل، ليس فقط على مستوى المؤسسات والشركات، بل حتى على مستوى الأفراد.
هناك قلق على الثروة؛ ولهذا يهرع الناس إلى بيع الأصول التي يملكونها حال ظهور بادرة تشي بأن الأسواق في طريقها إلى الهبوط. وهناك حركة مستديمة للثروة من يد إلى أخرى، ومن قطاع إلى آخر، وبسرعة تكاد تكون مخيفة أحيانا.
ويزداد القلق بسبب تراكم المديونية. قطاعات واسعة بعضها على مستوى دول قد لا تستطيع الوقوف على أقدامها من دون الاستدانة المستمرة من النظم المالية. السؤال هو: حتى متى سيكون بإمكان المصارف المركزية وغيرها الاستمرار في ضخ النقود على شكل ديون؟
ونحن ندخل عام 2019، هناك كثير من الأدلة وكأننا في الأشهر التي سبقت أزمة 2008. القروض الممنوحة من المصارف للمستهلكين والعملاء قد وصلت تقريبا إلى المعدلات التي كانت قبل الأزمة. ومع أسعار فائدة لا تزال متدنية، تزداد شهية الزبائن إلى الاستدانة.
وتُلاحظ أيضا ارتفاعات كبيرة في ديون الشركات. أما الحكومات، فرغم أنها قد قلصت عجز ميزانياتها، إلا أنها تئن تحت طائل جبال من الديون أكثر ثقلا من سابقاتها قبل أزمة عام 2008.
المبالغ التي أقرضتها المصارف للناس والمؤسسات والشركات والحكومات تفوق في حجمها الأموال المستدانة قبل الأزمة. لقد استفاد كل هؤلاء من أسعار الفائدة المنخفضة جدا.
ولكن أسعار الفائدة شرعت في الارتفاع في الولايات المتحدة ودول صناعية أخرى مثل السويد. وهذا الارتفاع - مهما كانت نسبته - سيزيد من عبء الدين، ويجعل الاستجابة لاستحقاقات الأقساط أمرا غير محبب وغير يسير.
وأخيرا، أتت التقارير من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تتحدث عن سماء معتمة، وترفق أغلب توقعاتها الإيجابية عن مستقبل الاقتصاد العالمي بتوقعات وتنبؤات مضادة.
الكل لا يريد أن يقع في فخ عام 2008، ولكن يبدو أن هناك أكثر من دليل على أننا نسير صوبه.