لماذا توقفت حملات تشويه تجار الخردة؟!
ماجد الداعري
■ بعد صدور حكم قضائي نافذ لصالح تجار الخردة، قضى بحفظ حقوقهم وحصولهم على 75% من قيمة الطن الخردة عال...
■ في ظل الحديث عن أهمية التوقيع على خريطة الطريق للتوافق بين أطراف الصراع اليمني في كل من صنعاء وعدن على تحقيق السلام، يبرز موضوع إعادة الإعمار بما هو قضية وطنية يجب على كل الأطراف أن يبذلوا قصارى جهودهم لتكون في صدارة الاهتمام في المرحلة القادمة، ولا شك أن الحرب العبثية التي اندلعت أواخر عام 2014، قد خلفت دماراً كبيراً شمل قطاعات البنية التحتية من طرقات وجسور وكهرباء ومياه وصرف صحي واتصالات ومطارات وموانئ، إضافة إلى قطاعات الزراعة والصناعة والإسكان والمرافق العامة من مدارس ومعاهد ومستشفيات وغيرها.
واضح إن إعادة الإعمار لما دمرته الحرب تحتاج إلى جهود وطنية هائلة ودعم إقليمي ودولي كبير، ونتيجة لعدم توفر وثائق ومسوحات وطنية من كل من سلطتي عدن وصنعاء تحدد تكاليف أضرار الحرب ومتطلبات إعادة الإعمار، فإنه يمكن الإشارة هنا إلى ما ورد في وثيقتين هامتين أصدرهما البنك الدولي حول تكلفة الأضرار التي لحقت بالاقتصاد وحجم الاستثمارات العامة والخاصة المطلوبة لإنعاش الاقتصاد حتى عام 2030، وهما كما يلي:
1- يبين تقرير البنك الدولي بعنوان "التقييم المستمر للاحتياجات في اليمن: المرحلة الثالثة" لعام 2020، أن الاحتياجات الخاصة بالتعافي وإعادة الإعمار تقدر بما بين 20 و25 مليار دولار على مدى خمس سنوات، علماً بأن التقرير شمل 15 مدينة رئيسية وثانوية وثمانية قطاعات فقط. وكما أوضح التقرير، فإن الاحتياجات لا تشمل الاقتصاد ككل والذي يحتاج إلى أضعاف مضاعفة من الأموال، وقد استحوذ قطاع البنية التحتية "الإسكان والطاقة والنقل والمياه والصرف الصحي" على قرابة 65% من إجمالي الاحتياجات الاستثمارية.
2- تشير وثيقة البنك الدولي بعنوان "نحو خطة للتعافي وإعادة الإعمار في اليمن"، عام 2017، إلى أن تقدير الاحتياجات الاستثمارية لاستعادة البنية التحتية الحيوية تبلغ حوالي 40 مليار دولار خلال المرحلة التحويلية (الانتقالية) المقدرة بخمس سنوات. كما توضح الوثيقة أن النمو التحويلي السريع لليمن حتى عام 2030، يتطلب برنامجاً للاستثمارات العامة والخاصة تبلغ 100 مليار دولار، منها 54 مليار دولار استثمارات عامة و46 مليار دولار استثمارات خاصة، وهذه المعطيات تؤكد الحاجة إلى أهمية الشراكة بين الحكومة المرتقبة لليمن الموحد والقطاع الخاص لتنفيذ المشاريع التنموية المقترحة حتى نهاية هذا العقد.
واعتماداً على ما ورد أعلاه، فإن برنامج التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار يمكن أن يتضمن ثلاثة محاور:
الأول: تحسين الأوضاع الإنسانية للفئات المتضررة من الحرب من المواطنين، بمن فيهم القطاع الخاص، وتهيئة الأوضاع لعودة النازحين إلى مناطقهم، ومعالجة الاحتياجات الإنسانية الطارئة للسكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية والعمل على توفير سبل العيش الكريم لهم.
الثاني: إعادة الإعمار وإصلاح الأضرار في قطاعات البنية التحتية، وتحديداً، قطاع الطرقات والجسور، وقطاع الكهرباء (محطات التوليد وشبكة النقل والتوزيع) وقطاع المياه والصرف الصحي وقطاع الاتصالات، والموانئ والمطارات.
الثالث: إعادة الإعمار والتأهيل في قطاعات التنمية البشرية، ويشمل قطاع التعليم (المدارس والمعاهد الفنية والجامعات)، وقطاع الصحة (المستشفيات والمراكز الصحية) في عموم المحافظات وفي الريف والحضر،
التعاون الدولي لحشد الموارد.
إن جهود إعادة الإعمار تتطلب شراكة فاعلة مع المحيط الإقليمي والدولي من خلال أكثر من مسار:
1- التعاون الثنائي بين اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة واليابان وغيرها، لتقديم الدعم التنموي لتمويل بعض المشاريع ذات الأولوية في قطاعات البنية التحتية (الطرقات، الكهرباء، المياه والصرف الصحي)، وفي قطاعات التنمية البشرية، ويأتي في مقدمتها التعليم والصحة والحماية الاجتماعية وغيرها.
2- التعاون مع مؤسسات التمويل الدولية والإقليمية، مثل البنك الدولي والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي والبنك الإسلامي للتنمية والصندوق الدولي للتنمية الزراعية وغيرها. وفي هذا الإطار، يتحتم الإعداد والتحضير لمؤتمر دولي للمانحين بالشراكة مع البنك الدولي وإحدى الدول الشقيقة، السعودية مثلاً، ويشارك فيه المؤسسات الدولية والإقليمية وصناديق تمويل التنمية في الدول الشقيقة والصديقة، بهدف حشد الموارد الخارجية والمحلية لتمويل خطة التعافي وإعادة الإعمار.
3- التوجه شرقاً نحو الصين، فخلال العقدين الماضيين أصبحت الصين مصدراً مهماً ومؤثراً في تمويل برامج ومشاريع التنمية في الدول النامية، من خلال عدد من المؤسسات والمبادرات والآليات الهادفة إلى تعزيز فرص التنمية في الدول منخفضة أو متوسطة الدخل في معظم قارات العالم، ويمكن لليمن إقامة شراكة استراتيجية مع الصين لحشد الموارد وتنويع مصادره لتمويل المشاريع الاستثمارية في البلاد وخاصة في قطاعات البنية التحتية، والفرص المتاحة في هذا الجانب من خلال الانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق وإلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وانضمام اليمن إلى عضوية المبادرة والبنك سيمثل نافذة مهمة للحصول على تمويلات ميسّرة لتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار في قطاعات البنية التحتية، وسيساهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في عموم البلاد.
الشراكة مع القطاع الخاص:
في موازاة التوافقات السياسية، يتطلب الأمر تبني برنامج للإصلاحات الاقتصادية والمؤسسية وتهيئة البيئة المواتية للاستثمار الوطني والأجنبي، إذ إن عملية إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي تتطلب تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص وفتح المجال أمامه للاستثمار في بعض القطاعات الواعدة، مثل الطاقة الكهربائية والموانئ والمطارات والاتصالات وغيرها، وهذا يحتاج إلى توفر شروط مسبقة وضرورية لتهيئة البيئة المحفّزة للقطاع الخاص والحاضنة للاستثمار الوطني والخارجي، والتي تتطلب الاستقرار السياسي والأمني، والتنفيذ الفعال للقوانين واللوائح المنظمة للاستثمار ووجود جهاز تمويل مالي ومصرفي فعّال، إضافة إلى سلامة أداء أجهزة النظام القضائي والمحاكم، وتوفر البنية التحتية اللازمة لإنشاء المشروعات الاستثمارية، وبناء قدرات الموارد البشرية وتأهيلها وتدريبها لرفد سوق العمل، فضلاً عن تنفيذ سياسات اقتصادية سليمة، وتبسيط الإجراءات الإدارية، وسلامة أداء الأجهزة الأمنية لإنفاذ القانون وحماية المستثمرين.
استحقاقات لا بد منها:
في ضوء الإعداد لإعادة الإعمار، فإن أمام أطراف الصراع استحقاقات كبيرة تفرض على الجميع تقديم التنازلات والجنوح للحوار والدخول في مرحلة السلام، والبدء بإعادة بناء الدولة على أسس سليمة، ومتطلبات هذه المرحلة تشمل:
- العمل على إخراج اليمن من مظلة الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، فاليمن في وضعه الراهن منقوص السيادة وتحت الوصاية الدولية، كما أن المجال مفتوح للتدخل الخارجي فيه عسكرياً، ومفروض عليه عقوبات وحصار اقتصادي، وفي ظل سيناريو السلام بين أطراف الصراع، فلا مجال للحديث عن الموارد والثروات السيادية، بينما البلد ناقص السيادة ومسرح للتدخل الإقليمي والدولي، وعلى النخبة السياسية من الأطراف المتصارعة أن تدرك ذلك جيداً، وأن تسعى جاهدة لطي صفحة ذلك الفصل في أقرب الآجال.
2- التوافق على طبيعة وأسس بناء الدولة، بما في ذلك عدد الأقاليم التي تتكون منها، وكيفية العلاقة بين حكومات الأقاليم وحكومة المركز، وكيفية توزيع الموارد السيادية بينها، وتحقيق ذلك يتطلب التوافق على وثيقة الدستور وما يتضمنه من حقوق وواجبات ومسؤوليات على كل مستويات الحكم، المركزية والمحلية، وأسس وقواعد الانتخابات للقيادات العليا في السلطة التنفيذية وانتخابات المجالس التشريعية، إضافة إلى قواعد وضوابط عمل السلطة القضائية، والعمل على إصدار القوانين والتشريعات الخاصة بأسس ومعايير توزيع الموارد السيادية بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية (الأقاليم والمحافظات).
ختاماً، لقد استبشر اليمنيون خيراً بدعوة المبعوث الأممي لسلطتي عدن وصنعاء للحوار الاقتصادي، وللأسف ما نجم عن حوار كهذا سوى أهداف تكتيكية وقصيرة المدى ولم تتحقق أهداف استراتيجية بعيدة المدى، فالحوار الاقتصادي المنشود يجب أن يتركز حول ملفات وطنية مهمة مثل إعادة تصدير النفط والغاز، وتوحيد البنك المركزي وتوريد الموارد السيادية إلى الخزينة العامة لدفع مرتبات الموظفين، ولتمويل مشاريع إعادة الإعمار وإنعاش الاقتصاد، إضافة إلى تجميد قانون المعاملات الربوية في مناطق سلطة صنعاء حتى يسترد القطاع المصرفي عافيته ويساهم بشكل فعال في جهود التنمية وإعادة الإعمار.
وللأسف، فإن سلطتي عدن وصنعاء ما انفكتا تخيبان آمال الناس وتوقعاتهم في فشلهما في استيعاب تعقيدات الملف الاقتصادي والقضايا الوطنية المرتبطة به، وهذا ما يجعل مرحلة الاستقرار وإعادة الإعمار بعيدة المنال.
أ. د. مطهر عبد العزيز العباسي، 16-8-2024