في إستطلاع لــ " التنمية برس" أول معهد إقليمي سمكي في عدن دمرته حرب 2015 فأصبحت منشآته لا تصلح الا للاحتطاب.!

عدن | عن التنمية اليوم - عدد 46 إصدار فبراير 2022 | استطلاع: أحمد حسن عقربي – تصوير/ صقر أحمد:

 "التنمية برس" تلقي الضوء على أول معهد إقليمي تدريبي على مستوى الجزيرة والخليج دمرته الحرب فأصبحت منشآته لا تصلح الا للاحتطاب.
 أما آن الأوان لإعادة الاعتبار لهذا المعهد السمكي ودوره في التنمية السمكية والبشرية.؟!
 متى يخرج المعهد التقني من جلباب وزارة التعليم الفني ليعود إلى وزارة الأسماك؟

                             ______________________________________________________________


أساتذة المعهد وطلابه يعانون من الإحباط ويأملون من الحكومة ممثلة بوزارة التعليم الفني والتدريب المهني ووزارة
الأسماك أن تعيد الاعتبار لأكبر معهد إقليمي في المنطقة


• متى يتم الإفراج عن الاعتماد المالي للمعهد وميزانيته التشغيلية.؟


• هل ما زال المعهد في ذاكرة المنظمات الدولية المانحة؟ ولماذا توقف دعمها؟


• قيادة المعهد تطالب الجهات المعنية والدولية بسرعة إصلاح ما دمرته حرب جنكيز خان وتيمور لنك
مغولي اليمن الوحشيين


• مدير المعهد يروي فصول القصة الكاملة بتدمير المنظومة الفنية والمختبرية للمعهد وقواربه البحثية
وتجهيزاته البحرية


5 ألف كادر من خريجي المعهد أصبحوا يتبوءون مواقع قيادية مرموقة في شركات الأسماك الإقليمية والعالمية


ما دعاني لهذا الاستطلاع الصحفي عن هذا المعلم التنموي الاقتصادي السمكي هو حزني وحسرتي على ما وصل إليه من العبث والنهب والتدمير لأكبر معهد سمكي، ليس في الوطن وإنما على مستوى الإقليم برمته، جراء الحرب الحوثية التدميرية، وما ترتب عليها قبل الحرب وبعدها من تدمير لمنشآته العلمية ومختبراته وصناعته الغذائية، ولم يسلم منه حتى مطعم الطلاب وعربات نقلهم والمكتبة، بل ما أحزنني ووقع في النفس هو هول ما رأيت من الخراب وأنا أتجول بين ركام التدمير وساحات المعهد، ولا زال لعاب الطامعين يسيل وما برحوا حتى نهشوا من هذا المعلم التنموي للاستحواذ عليه دون وازع وطني أو ديني أو أخلاقي، وللأسف يمكنني القول من هول ما رأيت من تدمير لهذا المعهد إنه أصبح أثرًا بعد عيان، ومن بقايا الذاكرة لزمن ساد في مطلع السبعينيات ثم باد بفعل التدمير الممنهج. حينها تذكرت قول الشاعر الأندلسي القائل: هي الأمور كما شاهدتها دول... من سره زمن ساءته أزمان واقتنعت قناعة راسخة أن ما أصاب هذا المعلم السمكي الحيوي والكبير ينذر بأمور بالغة السوء لأن تصبح بدون تنمية ويهدد أيضا مستقبل الوطن الاقتصادي. ورأيت أن خير ما يمكن أن نتسلح به هو الوعي الوطني في أعلى درجاته، وأشمل مستوياته حكومياَ ومجتمعياَ وأكاديمياَ وإنسانياَ، فيمكن للحكومة كسلطة تنفيذية ومحلية ومؤسسات أكاديمية وعلمية وحقوقية واختصاصية أن تتفهم الأمر مبكرًا وأن تضع الحلول بأقوال تترجمها الأفعال، وحتى يكون بمقدور الجميع وضع التدابير المدروسة لإنقاذ هذا المعهد مما آل إليه حاله المحزن وحمايته من ابتلاع أراضيه وحرمه من الطامعين، لصوص الأراضي والمعتدين على حرمه العلمي، استباقا لما يخطط من قبل الخارجين عن القانون والإسراع في تفعيل هذه التدابير الإنقاذية في الوقت المناسب إجهاضاَ لما يخطط له من ابتلاع وامتداد أطماع الطامعين على ساحاته، فأصبح اليوم هيكلاَ لا تصلح منشآته للاحتطاب.

ويسألونك عن المعهد


إنه المعهد البحري، أول معهد تدريبي سمكي تنموي هو المعهد التقني البحري بالعاصمة عدن، يعتبر مؤسسة تدريبية تخصصية في قطاع الأسماك في الجمهورية اليمنية، يقع في جزيرة العمال على مساحة تقدر بطول كيلو متر واحد، وعرض نصف كيلو متر، ويحيط به البحر من ثلاث اتجاهات، تأسس في عام 1970م، حيث خصص المعهد منذ إنشائه ليكون معهداَ إقليميا على مستوى الوطن والجزيرة والخليج مجهزاً ومزودا كذلك بقوارب تقليدية تدريبية وتجهيزات بحرية لخدمة كافة التخصصات توفر الظروف المناسبة من حيث المرسى والمزلق البحري لصيانة القوارب المتوسطة الحجم. كما تتلخص مهام المعهد في تدريب العنصر البشري وفقاَ لاحتياجات سوق العمل من التخصصات البحرية المختلفة.

 

تنوع التخصصات


ويوجد في المعهد خمسة تخصصات بحرية مختلفة، هي:
- الملاحة والاصطياد.
- الصناعات الغذائية البحرية.
- هندسة التكييف.
- هندسة الكهرباء البحرية.
- هندسة الميكانيكا البحرية.
فيما يضع عدد القوى الوظيفية في المعهد من مدرسين متخصصين ومدربين وإداريين يبلغ عددهم 99 فرداً، وتصل الطاقة الاستيعابية للطلاب الدارسين في جميع التخصصات 250 طالبًا، علما أن المعهد كان يشمل أيضا عند التأسيس في مطلع السبعينيات وقبل الحرب الذكور والإناث، أبرزهن الطالبة سميرة عقربي أحد كوادر وزارة الخدمة المدنية التي تبوأت موقفاَ قيادياَ كمدير عام لمكتب الخدمة المدنية في العاصمة عدن سابقاَ. وبشهادات الخبراء الدوليين والمحليين والاتحاد الأوروبي فإن هذا المعهد التقني البحري هو الوحيد على مستوى الوطن والمحيط الإقليمي ذات الخصوصية المميزة في إعداد وتأهيل المتدربين.

 

ماذا عن مهام المعهد؟


تتمثل مهام المعهد - كما عرفناها من قيادة المعهد - في عدة مهام، مثل:
- إعداد وتدريب المتدربين من خريجي التعليم الأساسي والثانوي، في جميع التخصصات.
- تلبية احتياجات السوق من العمالة المدربة والمؤهلة.
- تلبية سياسة الدولة في المجالات التخصصية من مخرجات المعهد.
- تلبية احتياجات القطاع الخاص بالمتدربين في الدورات التدريبية القصيرة غير نظامية في جميع التخصصات.
- متابعة الخريجين في سوق العمل.
- استضافة الدورات الداخلية والندوات.
- إقامة الدورات الإقليمية (دورة إقليمية للهيئة الإقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن).

 

مع عميد المعهد في مكتبه المتهالك


في مكتبه المتواضع المحشور في زاوية مبنى المعهد المدمر، استقبلنا المهندس عبدالله باعامر، عميد المعهد التقني
البحري، الذي رحب بناء بتعطش حميمي منقطع النظير، واستهل حديثه معنا يجيبنا تنبلج عنه سماء الحزن والحسرة قائلاَ:أهلا بالصحافة، لقد جئتم في الوقت المناسب للوقوف على واقع حال هذا المعهد الذي ظل يشكو ما أصابه من عبث وتدمير دون أن يلتفت له أحد، وأصبحنا نسمع من ذوي الشأن جعجعات ولم نرَ طحيناً وعلى ضوء ذلك استعرض لنا القصة الكاملة لشوائب الدهر التي هبت رياحها على هذا المرتكز التنموي الهام في القطاع السمكي عصب التنمية في الوطن بدأ يتحدث لنا وتنهدات الحرب تخرج من جوف أعماقه قائلاَ:  أمامكم الوضع يا صحافة، ترون آثار التدمير والنهب لمنشئات المعهد التعليمية والمختبرية والصناعات الغذائية والسطو على أراضيه، والمشهد أمامكم بدون رتوش، ونحن نعوّل عليكم في نقل ما يعانيه هذا المعهد بكل أمانة صحفية تنقلون ما ترونه أمامكم مستعرضاَ فصول القصة الكاملة للتدمير والنهب قائلا: لنا جميع منشئات المعهد التعليمية من فصول دراسية ومختبرات تحضير الأسماك والورشة الفنية بكفاءة فنييها دُمِّرت جميعها وأصبحت لا تصلح اليوم إلا للاحتطاب، كما طال التدمير مستودعات المعهد ومعظم طلابه وسيارات نقل الطلاب والمكتبة العلمية، وهو وضع مرعب لا يبعد عما أقدم عليه جنكيز خان المغولي بتدمير بغداد وحرق كتبها العلمية أو عبث تيمور لنك بمدينة دمشق السورية وتدمير مقوماتها ومضى يقول وعينيه مكحلة بدمع الحزن: إن هذا المعهد يمتلك خصوصية في تدريب وتأهيل المتدربين لرفد التنمية بالكوادر المتخصصة، حيث وصل عدد مخرجاتها منذ عام التأسيس 1970م إلى 5 ألف كادر، أصبحوا يرتقون مكانة عالية في كبرى شركات الأسماك المحلية والإقليمية والعالمية لافتاَ أن المعهد بعد أن تم تحويل تبعيته من وزارة الثروة السمكية إلى وزارة التعليم الفني والتدريب المهني عام 2001م فَقَدَ الكثير من امتيازاته ومساعدات المنظمات الدولية المقدمة إليه وضعف نشاطه ويكاد يكون منعدما بسبب تدمير منشآته في الحرب الحوثية التدميرية، بما فيه من الفصول الدراسية والمختبرات وبنيته التحتية بأكملها.

الدعم متوقف


وأعاد المهندس باعامر عميد المعهد إلى الأذهان قائلاَ: لقد انقطع الدعم الدولي الأوروبي الذي كان يحصل عليه المعهد عبر وزارة الثروة السمكية، الداعم الفني للمعهد شاكياَ لنا بأنه قد توقف على المعهد الدعم المالي المخصص له الذي اعتمد له عام 1998م الذي كان يصل إلى نصف مليون دولار منذ الحرب حتى يومنا هذا، وكذلك توقفت على المعهد الميزانية التشغيلية، وحرمان الكادر التدريسي من التأهيل الخارجي، وهو الأمر الذي أنعكس سلباَ على فاعلية المعهد الذي كان يستقبل الطلاب المتدربين من دول الخليج ودول القرن الأفريقي.

الاتحاد الأوروبي يسأل عن مصير المعهد التقني البحري


وبألم كبير لمسناه من عميد المعهد وهو يحدثنا عن ذكر وفود الاتحاد الأوروبي الذين يزورون بلادنا باستمرار ويلتقون المسئولين في الوزارة، يكررون أسئلتهم دائماَ عن مصير المعهد التقني البحري ونشاطه حتى يومنا هذا، الذي أصبح اليوم لا حول له ولا قوة لدوره الكبير والفاعل في تدريب الكادر السمكي وأهميته في التنمية السمكية، والذي كان يحصل على دعمٍ سخي من الاتحاد الأوروبي بموجب الاتفاقيات المبرمة بين وزارة الثروة السمكية وهذه المنظمة قبل أن يتحول المعهد إلى تبعية وزارة التعليم الفني، وتطور شأن المعهد حتى في إطار مشروع التعاون الكندي أن يتحول في مرحلته الثانية كإقليمي دولي في هذا المجال. وقال: لقد كان لدينا قسم الصناعات الغذائية ويتبعه معمل التحضير للأسماك يستفاد منه في تدريب الطلاب بدعم من الفاو والمعهد الكندي وشركة جايكا اليابانية التي قدمت مساعدة ومحفزات لطلابنا وبعض الدول العربية ذات الثروة السمكية مثل تنزانيا والجزائر والقرن الأفريقي.. لكن حتى اليوم لم يُقدم للمعهد أي دعم سوى دعم من دولة الكويت والتي دعمتنا في ترميمات بسيطة ولكننا بحاجة اليوم إلى معدات وأجهزة مثل المحركات الاعتماد المالي للمعهد والإخراج عن الميزانية التشغيلية التي توقفت على المعهد باعتماد وتأهيل الكادر التدريبي في الخارج وإصلاح ما دمرته الحرب.. معبراَ عن أمله في وزارة الثروة السمكية والمسئولين عن التدريب والتأهيل باعتماد المعهد التقني البحري كموقع طبيعي لتدريب الصيادين من أجل نهضة المعهد ورفد ميزانيته لتنشيط كادره ورفع كفاءته، كما نوه العميد إلى أنه قد وُقِعَت اتفاقية في السابق بين وزارة الثروة السمكية وخفر السواحل لتوظيف مخرجات المعهد في قسم الملاحة الميكانيكية للتوظيف لديهم.

مع نائب العميد


وعلى التو اصطحبنا المهندس أديب مبجر، نائب عميد المعهد لشئون الطلاب، إلى أحد الصفوف الدراسية، وهو
الصف الدراسي الوحيد اليتيم الباقي في المعهد بعد الحرب التدميرية الحوثية، إنه قسم ملاحة الاصطياد الذي يصل
عدد طلابه إلى حوالي 55 طالبا، قائلاً لنا: لقد بدأ عدد الطلاب يتناقص بسبب التحاق الطلاب بالقوات العسكرية
وكذلك بسبب ارتفاع أجرة المواصلات التي لا تمكّن الطلاب الفقراء من الوصول إلى المعهد، خاصة وأنهم يأتون
من مناطق بعيدة، ناهيك عن شحة المكيفات والمختبرات ووسائل التعليم. ويستطرد المهندس أديب مبجر نائب عميد المعهد مؤكدا ضرورة تطوير مناهج المعهد بما يتناسب واحتياجات التنمية وسوق العمل والتطور التكنولوجي المتسارع في المجال البحري، إلى جانب تطوير البرامج التدريبية وتنويعها حسب احتياجات السوق، فضلاَ عن ضرورة توسع العلاقات مع المنظمات الدولية والإقليمية والدولية لدعم المعهد واستغلال المساحات التي لم يتم استغلالها حتى يومنا هذا والتي تشكل مطمعًا تسيل بسببها لعاب الناهبين لأراضي الدولة.