البيت الشرعي

كان حال الناس ــ في زمن مضى ــ مختلفا. الأسر تجتمع وتعيش في مبنى واحد. الأب وأبناؤه وأحيانا الأحفاد يعيشون في المبنى نفسه، ويتشاركون كل الخيرات التي تمنحها لهم الحياة البسيطة الطيبة. لن أقول إن الناس كانوا بحال من الأمان والسعادة الغامرة، لكنني أظنهم أسعد من حال اليوم، التي افترقت فيها كل الأسر وأصبح البيت المستقل الشرط الأول في عقود النكاح.
المهم في هذه العجالة، هو حال الزوجتين والثلاث اللواتي يتشاركن البيت نفسه والزوج نفسه، ويجدن في ذلك ما يضمن سعادة وتعاون أكثر من حال اليوم. الاعتقاد السائد أن الكراهية والغيرة ومحاولات الاستئثار غير موجودة في ذلك الزمان، غير صحيح، لكن بروزها في زمننا الحالي أكثر بكثير مما كان في الزمن الفائت. يمكن أن يؤلف علماء الاجتماع والنفس الكتب في تغيير المفاهيم والأولويات هذه، وإن ما أشير إليه هنا ظاهرة جعلت الاختلاف أساس فكرة خروج الأسر من رواق المنزل الكبير إلى شقق وأبنية متباعدة، تملؤها حالة من البرود والوحدة التي ميزت عصرنا هذا.
عندما قررت المحكمة أنه على الزوج أن يوفر منزلا مستقلا لزوجته الثانية وأبنائها، كانت تبني على شروط إحدى الزوجتين فيما يبدو، أو أنه بني على الخلاف المستمر والعداوات التي نشأت بسبب التواجد المستمر في مكان واحد، التي لم تتمكن السيدتان الأكبر وزوجهما من احتوائه والتعامل معه بحكمة وعقلانية وعدل.
يجب أن نتذكر أن في المنزل إخوانا وأخوات، وهذا أمر لا يمكن أن يلغيه أحد، وعندما تعتقد سيدة أنها ستحقق فائدة من خلال التفريق بين الإخوة والأخوات، فهي تجني على الأسرة بكليتها في قابل الأيام. الأخوة مبنية على المحبة والتعاون، وقد يحتاج الإخوة بعضهم في يوم من الأيام، وهذا لن يحدث ما داموا في حالة كراهية أو رفض لبعضهم بسبب وجهة نظر الزوجة التي فضلت راحتها الخاصة على مصلحة الأسرة بكليتها.
قد تكون ظروف الزوج الاقتصادية هي ما دفعه لجمع الأسرتين في مكان واحد، وحكم المحكمة هذا قد يؤدي لضرر على الأسرتين، فمن جمع الأسرتين لحاجة مالية، لن يقدم المستوى نفسه من المعيشة عندما يضطر لإسكان كل واحدة على حدة.

 

مقالات الكاتب